kayhan.ir

رمز الخبر: 54957
تأريخ النشر : 2017April08 - 21:32

قمة ترامب ـ شي على وقع ضرب سوريا: برود صيني ظاهري.. وقلق عميق على المستقبل


محمود ريا

"الوسائل العسكرية لن تنجح"

هذه هي الرسالة التي وجهها المندوب الصيني في مجلس الأمن إلى الحاضرين في اجتماع المجلس لبحث مسألة العدوان الأميركي على سوريا.

إلى أي مدى تصل هذه الرسالة، وما المقصود بها؟ هل هو ما حصل ـ وقد يحصل ـ في سوريا فقط، أم أنه يتعدى ذلك إلى مناطق أخرى من العالم، أبعد عن منطقتنا، وأقرب إلى الصين نفسها؟

المندوب الصيني في مجلس الأمن

لقد اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب توقيتاً ملتبساً للضربة التي وجهها إلى مطار الشعيرات في سوريا: كان يتناول طعام العشاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في منتجع مار اي لاغو في فلوريدا، عندما كانت صواريخه تتساقط على المطار السوري، فهل في هذا أي إشارة؟ وماذا أراد ترامب أن يقول؟ وماذا فهم شي من هذا التوقيت؟ وما علاقة ضربة ترامب في سوريا بتهديداته لكوريا الديمقراطية (الشمالية)؟ وأين هو مستقبل الوضع في بحر الصين الجنوبي من كل هذه "الفوضى" التي يعمل ترامب على نشرها في منطقة "الشرق الأوسط" ومن ثم في العالم؟

والسؤال الأهم: لماذا كان الرد الصيني بارداً ـ بشكل مقصود ـ على العدوان الأميركي على سوريا؟

كان الرئيس الصيني مهتماً جداً بالقمة التي جمعته بنظيره الأميركي، لأن هذه القمة قد تشكل منفذاً من حائط الشكوك الذي انتصب في وجه العلاقات الصينية الأميركية بعد تسلّم ترامب لمنصبه، وما سبق هذا التسلّم وتلاه من تصريحات بهلوانية أدلى بها المرشّح ـ الرئيس، والتي وصلت إلى حد المسّ بمقدّسين صينيين أساسيين:

ـ الاقتصاد، عبر الحديث عن "اغتصاب" الصين للولايات المتحدة من خلال أدائها الاقتصادي.

ـ وحدة الصين، من خلال محاولة المسّ بـ "سياسة الصين الواحدة" واللعب على حبل استقلال تايوان عن الوطن الصين الأم.

ولعلّ الرئيس الصيني قد تمكّن من تحقيق إنجازات كبيرة، وذلك ما تظهره التصريحات المتبادلة بين المسؤولين الأميركي والصيني، ولا سيما في المجال الاقتصادي. إلا أن موضوع تايوان لم يخرق التصريحات العلنية، ولم يجد له مكاناً في ما قاله الرئيسان، وفيما تناقلته الصحافة عن أجواء اللقاءات، بما يشبه "التواطؤ" بين الطرفين على عدم إثارة هذا الموضوع الحساس.

إلا أن الموضوع الذي كان له حضور في خلفيات المشهد هو موضوع كوريا الشمالية، التي تشكل عقدة في العلاقات بين الطرفين. فإدارة ترامب تريد من الصين "إنهاء ملف" كوريا الشمالية، وتضغط بقوة على بكين في هذا المجال، مهددة بالقيام بـ "إجراءات أحادية" في حال تخلفت الصين "عن القيام بواجباتها" إزاء هذا الملف، بينما تعبّر الصين عن خشيتها من أي عمل عسكري في شبه الجزيرة الكورية، لأنه سيفجّر منطقة شرق آسيا وسيكون له تأثير خطير حتى على الصين.

من هنا تبرز أهمية رسالة المندوب الصيني في مجلس الأمن الدولي: "الوسائل العسكرية لن تنجح"! إن هذه الرسالة هي تحذير لواشنطن من الانجراف نحو عمل عسكري كبير في سوريا، وفي كوريا الشمالية، وحتى في مناطق اخرى أكثر حيوية للصين، كمنطقة بحر الصين الجنوبي.

وفي هذا الإطار تأتي الإجابة على السؤال حول سبب برودة الرد الصيني على الغارة الاميركية العدوانية على سوريا: الصين تجري حسابات دقيقة لكل خطوة، ولا تريد تبديد ما يمكن ان تكون حققته من القمة الأميركية الصينية في ردّ حامٍ على الخطوة الأميركية التي استهدفت دولة يمكن وضعها في إطار الدول التي تهتم الصين بها بشكل كبير، والتي رفعت يدها بالفيتو من أجلها ست مرات خلال ست سنوات، وربما تكون جاهزة لرفع يد الفيتو من اجلها للمرة السابعة قريباً. ولكن الصين تترك أيضاً مساحة لها لتحديد خطواتها المستقبلية في عالم ملتهب، تقوده نزعة القوة الأميركية، وتحرّكه الحسابات الداخلية والخارجية للرئيس الأميركي المحاصَر دونالد ترامب.

لقد شبّه بعض المحللين العرب والدوليين قيام ترامب بضرب سوريا خلال اجتماعه مع الرئيس الصيني باللطمة على وجه الرئيس شي. في الصين لا يوجد هذا التشبيه.. بل يوجد صمت حول هذا الموضوع. وهذا الصمت قد يكون معبراً أكثر بكثير من الكلام. إنه صمت يقول: وصلتنا الرسالة ونحن ندرسها بأعلى درجات الدقة، والرد ما ترى لا ما تسمع.

إن البرود الصيني الظاهري في التعامل مع هذا الحدث البارز، جاء ليعبّر عن قلق صيني في العمق من المسار الذي تأخذه الأحداث، وعن خشية انغماس واشنطن في مسار عسكري جديد يترك أثره التدميري على العالم كلّه، بما فيه الصين نفسها.