الرئيس روحاني: نفتخر بوقوفنا الى جانب الشعب الفلسطيني، والكيان الصهيوني يلعب على وتر أزمات المنطقة
* دفاعنا عن الحركات الحقة والعادلة في العالم لا يعني التدخل في شؤون الاخرين بل يعبر عن فكرة الحوار ضد فرض السلطة
* شعوب سوريا واليمن والعراق وليبيا تعيش في مستنقع التنافس الاناني المدمر من قبل لاعبين اقليميين ودوليين
* الدعم الحاسم للدول الاعضاء في حركة عدم الانحياز لبرنامجنا النووي السلمي كان له دور مؤثر في ضمان حقوقنا الشرعية
طهران - كيهان العربي:- القى رئيس الجمهورية الدكتور حسن روحاني كلمة في قمة عدم الانحياز المنعقدة في جزيرة "مارغاريتا" الفنزويلية تطرق خلالها الى مختلف القضايا الاقليمية الدولية.
وفيما يلي نص الكلمة:
اصحاب الفخامة والسمو ، رؤساء الدول المحترمون
اصحاب المعالي ، الوزراء المحترمون
السيدات والسادة:
يسعدني ان اتقدم بالاصالة عن نفسي والوفد المرافق وبالنيابة عن حكومة الجمهورية الاسلامية في ايران بالشكر والامتنان الى فنزويلا حكومة وشعبا على كرم الضيافة واقامة المؤتمر السابع عشر لقمة دول عدم الانحياز.
ان الجمهورية الاسلامية في ايران تفتخر اليوم بانها قد وظفت امكانياتها وقدراتها لتحقيق الاهداف السامية التي تصبوا اليها هذه الحركة ولتعزيز فاعلية المؤسسات التابعة لها اقام المكتب التنسيقي وترويكا الحركة ومجموعات العمل التابعة لها في الامم المتحدة والتكتلات الاخرى في مجلس الامن وتعزيز السلام اقاموا خلال هذه الفترة اكثر من 450 اجتماعا في نيويورك. ان المؤسسات والبرامج الاخرى للامم المتحدة في جنيف وفيينا ولاهاي واليونيسكو تعتبر شاهدا اخر على النشاطات الجادة التي قامت بها هذه الحركة وتكللت بالنهاية في اتخاذ القرارات الواضحة لدول عدم الانحياز في مختلف القضايا العالمية مثل نزع السلاح واصلاح نظام الامم المتحدة وحفظ السلام وحقوق الانسان.
اننا نعلم جميعا بأن قوة دول عدم الانحياز رهينة بتضامن الدول الاعضاء وتعزيز فاعليتها وعلى هذا الاساس قد بذلت جهود حثيثة في هذه الدورة لتطوير علاقاتها الداخلية كما استمرت في المحادثات مع الشمال بقوة لتبيين وتطوير رسالة عدم الانحياز وتعزيز مواقع الحركة حيث اجريت حتى الان عدة جولات من المحادثات بين ترويكا الحركة وترويكا اوروبا. فقد ذكرت كل هذه النشاطات بشكل تفصيلي في التقرير الذي رفع من الرئيس الى المؤتمر .
ان الجمهورية الاسلامية في ايران وبعد اربع سنوات من رئاستها الدورية على حركة عدم الانحياز تفتخر اليوم بانها تسلم هذه المسؤولية الجسيمة الى حكومة فنزويلا الصديقة متمنية لها فترة رئاسية ناجحة خلال السنوات القادمة بفضل اهتمامها والتزام المسؤولين فيها وبدعم كافة الدول الاعضاء في الحركة.
لاشك ان القرارات والنتائج الهامة التي تنتج عن هذا المؤتمر الهام الذي اقيم تحت شعار "السلام والسيادة والتضامن لاجل التنمية" تعتبر خطوة هامة لتحقيق الاهداف السامية التي تصبو اليها حركة عدم الانحياز. انني اغتنم الفرصة لابدي شكري وامتناني الى كافة الدول الاعضاء في هذه الحركة على تعاونها وتعاملها الايجابي والبناء مع الجمهورية الاسلامية في ايران خلال فترة رئاستها الدورية، واؤكد على ان الانجازات الراهنة لم تكن تتحقق بدون التعاون والاسهام الفاعل من قبل كافة اعضاء هذه الحركة لاسيما الدول التي تتحمل المسؤوليات في وضع الاليات في مختلف مراكز الامم المتحدة.
الحضور الكرام،
تنعقد القمة الحالية في وقت يتعرض السلام بكل جوانبه للخطر والتهديد في ارجاء المعمورة حيث ان السيادة الوطنية في الدول النامية تنتهك باشكال مختلفة واطوار متنوعة مما جعل الدول الاعضاء فيها تحتاج الى تضامن وتعاون وتنسيق اكثر من اي وقت مضى. والواقع اننا باعتبارنا مجموعة تتألف من ثلثي اعضاء الامم المتحدة نملك جزءا كبيرا من الحلول الناجعة للتحديات الحالية بشكل لايمكن انكارها وتجاهلها.
وان كنا موضوعيين نجد ان الذي يجري اليوم في النظام الدولي يعتبر امرا مقلقا حيث اننا نرى النزعات السلطوية لها دور في العلاقات الدولية وتعتبر حقيقة لايمكن انكارها. لايزال التوجه الى الاقطاب العسكرية هو فكرة حاضرة في الاذهان وفي تصرفات العديد من اللاعبين الدوليين ويتغلب عليهم التنافس في مجال الاسلحة واشعال الحروب وتصعيد الصراعات وزيادة العنف والتدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية من قبل اصحاب القوة والمال تبدو خفيا وعلنيا وتعتبر جزءا من مجموعة التصرفات التي لايمكن التعليق عليها الا بالرجوع الى منطق السلطة.
تم وضع المبادئ والاهداف الاساسية في حركة عدم الانحياز بشكل يعتبر معيارا اساسيا لكافة الدول الاعضاء حيث ان التمسك بهذه المبادئ يضمن الاستقلال ووحدة الاراضي والسيادة في الدول من جهة ويرفع مستوى المصالح الوطنية وحسن الجوار وتحقيق السلام والامن والتنمية المستدامة في العالم من جهة اخرى. لاشك ان باتباع هذه المبادئ يمكن تسوية العديد من المشاكل والتحديات الاساسية والازمات الجادة في العالم.
اننا في الجمهورية الاسلامية في ايران ومنذ بداية انتصار الثورة الاسلامية فيها وضعنا شعار لاشرقية ولاغربية ووضعناه نصب اعيننا في سياستنا الخارجية لاشك ان هذا الشعار يتلاءم مع جوهر اهداف حركة عدم الانحياز اننا بدأنا تحركنا في هذه المنطقة واننا على يقين بأن التعامل مع العالم الخارجي هو امر ممكن. العالم الذي كان من المقرر ان يظهر بمظهر انساني وعادل تجلى في طيات اهداف الحركة والعالم الذي يجب ان ينطبق مع حيوية التطورات السياسية.
ايران وخلافا لما يصورها الاعلام المعادي والمثير للحروب ويوصفها بانها دولة اصولية لم تتحرك في يوم من الايام على اساس فكرة تؤمن بالتناقض بين المصالح الوطنية والعالمية ان دفاعنا عن الحركات الحقة والعادلة في العالم لايعبر عن اننا نعارض القيم الانسانية المقبولة والمشروعة وليس بمعني التدخل في شؤون الاخرين بل وانه يعبر عن فكرة الحوار ضد فرض السلطة واقامة عالم مضطرب .
لقد عانى عالمنا خلال السنوات الاخيرة من الاحداث السيئة التي جرت على الشعوب في سوريا واليمن والعراق وليبيا واصبحت شعوب هذه الدول تعيش في مستنقع التنافس الاناني المدمر وعانت ضمائر المليارات من سكان الارض من هذه الظواهر التي لم تكن الا نتيجة لعدم تحمل القوى العظمى في العالم مسؤوليتها تجاه الحروب التي تحل بالابرياء . لاشك ان العالم يعلم ان الجمهورية الاسلامية الايرانية كانت الدولة الاولى التي حذرت العالم من الخطر العالمي للارهاب التكفيري في سوريا بينما العديد من الدول غير المسؤولة في منطقة الشرق الاوسط وفي الغرب كانت منهمكة في تزويد الارهابيين التكفيريين وتدريبهم . نحن كنا في العراق وسوريا وفي جانب الحكومة والشعب في هذين البلدين نتصدى لاحدى ابشع المجموعات الارهابية التي ظهرت في التاريخ حيث الايادي الملطخة بالدماء لاعضاء هذه التنظيمات وحماتها ومموليها ومزوديها بالسلاح لن تتطهر ابدا. وبعد توسيع الهجمات الوحشية لهذه التنظيمات وانتقالها الى خارج سوريا اتخذت الدول الداعمة للارهاب التكفيري قرارا - خلافا لارادتها ونواياها- لاقامة تحالف هش ودون جدوى لتصدي الارهاب بينما لم يتمكن المجتمع الدولي حتى الان من تحقيق نجاح بسيط في استعادة الحقوق المهضومة للشعب الفلسطيني وفي انهاء الاحتلال. لم تكن القوى العظمى تساعد على رفع المعاناة والالام فحسب بل انها كانت صاحبة الحصة الاساسية في انتاج الفقر والعنف وتشريد الملايين من البشر في الدول النامية. وليست هذه الاحداث الا شاهدا على صحة المبدأ القائل انه لايمكن ان نعقد امالا على القوي العظمي في تحقيق الامن والتنمية والتقدم. مع الاسف ان لبعض الدول الاعضاء في حركة عدم الانحياز دورا في دعم الارهابيين والاخلال بالهدوء وفي التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى الاعضاء بالحركة بانتهاكها المبادئ الاساسية لهذه الحركة.
وليست حصيلة هذه السياسات الخاطئة الا التدمير والسمعة التاريخية السيئة لهذه الدول والتنظيمات الارهابية المدعومة منها لان السنن الالهية والتجربة التاريخية تؤيد وتؤكد على حقيقة وهي ان التصدي والوقوف في وجه مطالب الشعوب الشرعية يعتبر امرا مكلفا ويترك سمعة سيئة ولاخيار امام القوى التدخلية والمعتدية والعدوانية الا خيار الاستسلام والخضوع لمطالب الشعوب .
انني وبالنيابة عن الشعب الايراني العظيم قدمت اقتراح "العالم ضد العنف والتطرف" لما يشعر به هذا الشعب من مخاطر التنظيمات الارهابية والمتطرفة وذلك خلال اجتماع الجمعية العامة الثامن والستين حيث اسفر هذا الاقتراح عن اقرار قرارين في الجمعية في الاعوام 2013 و 2015 لاننا نعتقد بان التصدي للارهاب والتطرف بحاجة الى التعاون البناء والصادق من كافة اعضاء المجتمع الدولي . انني وخلال اجتماعات الجمعية العامة في العام المنصرم اكدت على ضرورة اقامة جبهة موحدة لمواجهة التطرف والعنف . اننا نؤمن بان حركة عدم الانحياز تملك امكانيات كبيرة في تحقيق هذه الافكار في اطار الامم المتحدة.
السيدات والسادة،
ان التحديات التي تجري في مختلف المناطق العالمية يجب الا تحرفنا عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المظلوم الذي لايزال محروما من حق امتلاك ارضه وحكومته وعودته الى الوطن الام. ان الكيان الصهيوني يسعى الى استغلال الازمات التي تعصف بالشرق الاوسط لاسيما بعد ظهور التنظيمات الارهابية والمتطرفة مثل داعش لتغطية ممارساته الاجرامية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم والشعوب الاخرى في منطقتنا. ان الجمهورية الاسلامية في ايران وضعت دعم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية في طلائع سياستها الخارجية بناء على ما تعتقده من العقائد الدينية والقيم الانسانية والقيم الوطنية السامية. نحن نعتقد بان الدفاع عن الشعب الفلسطيني لايقتصر على عنصر خاص او مذهب محدد بل انه يعتبر موضوعا انسانيا وواجبا على الجميع . نحن لم نجعل الدفاع عن الشعب الفلسطيني امرا يتأثر بالتطورات العابرة والسياسات الخاطئة. اننا نفتخر بان الشعب الايراني والحكومة الايرانية كانت تقف بجانب الشعب الفلسطيني المظلوم والمقاوم باي ظرف من الظروف .
الحضور الكرام،
ان سياسة الجمهورية الاسلامية في ايران الخارجية تقوم على سياسة الاعتدال والوسطية والتعامل وبذل المساعي لمعالجة الصراعات والخلافات وسوء الفهم عبر الحوار والتعاون ومن هنا وبالرغم من الاجراءات العدوانية والضغوط السياسية والاقتصادية الواسعة على بلدي بحجة الملف النووي كانت الجمهورية الاسلامية الايرانية تؤكد منذ البداية على اجراء حوار بناء حيث تمثل في النهاية بالمحادثات بينها وبين مجموعة 5+1 وتكلل بالنجاح والوصول الى الاتفاق النووي.
ان الدعم الحاسم للدول الاعضاء في حركة عدم الانحياز للبرنامج النووي السلمي الايراني ودعمها للمحادثات كان له دور مؤثر في ضمان الحقوق الشرعية لايران في المجال النووي وللدول النامية وفي انجاح المحادثات . ان الاتفاق النووي بين ايران والاطراف الاخرى يعتبر امرا هاما في مختلف الجوانب لانه لايقتصر بالفوائد والمصالح وحق ايران في المجال النووي فحسب بل انه يعتبر اعترافا بمقاومة الشعب الايراني ووقوفه في وجه الضغوط . وادت المقاومة الى الايتحول هذا الاسلوب الى خيار دولي لحرمان الشعوب من حقوقها الاساسية والشرعية في مجال التقنية النووية السلمية . اضافة الى هذا ان النتيجة البناءة التي نتجت عن هذه المحادثات تؤكد على حقيقة وهي انه لايمكن انهاء الازمات المعقدة والطويلة في العالم الا بانتهاج نهج الحوار واستخدام الاليات السلمية وتبني التوجه القائم على مبدأ ربح-ربح . في الحقيقة يمكن القول ان الاتفاق النووي لم يكن اتفاقا سياسيا فحسب بل انه يعتبر استراتيجية وتوجها جديدا في التعامل الايجابي والبناء لتسوية الازمات والتحديات بشكل سلمي وذلك في عالم يشهد التوتر ويرى بان استخدام السلاح والعنف اصبح امرا اعتياديا ويوميا فيه. ان الاتفاق النووي يمكن ان يكون فاتحة وبداية للتعاون الثنائي ومتعدد الاطراف بين الدول لتحقيق السلام والتنمية ولتقديمهما الى الامام.
ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تعتقد بأن الحوار والمحادثة يعتبران افضل خيار لمعالجة الصراعات العالمية والاقليمية وكانت من الطلائع في هذا الامر واننا نرحب بأي مبادرة قائمة على الحوار والمحادثة على صعيد المنطقة لانهاء الخلافات القائمة لاننا نؤمن بأن مشاكل منطقة الشرق الاوسط لايمكن حلها بواسطة دولة واحدة . فمن هنا فان الوصول الى الامن والتنمية في المنطقة لايتحقق الا عبر التعاون والمشاركة الجماعية من قبل الدول الجارة فيها.
وختاما اعلن استعداد الجمهورية الاسلامية في ايران لتعاون واسع وفاعل مع كافة الدول الاعضاء في الحركة لاسيما مع فنزويلا الصديقة باعتبارها الرئيسة الدورية للحركة لتحقيق الاهداف وتنفيذ القرارات الصادرة عن هذا المؤتمر.
مع جزيل الشكر