مؤتمر غروزني صفعة شيشانية مدوية للتطرف السعودي
أثار مؤتمر "من هم أهل السنة" الذي عقد في الشيشان سخط السلطات السعودية وشيوخ البلاط، بعد أن تجاهلت الشيشان دعوة السعودية وادانتها في البيان الختامي.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء أن العاصمة الشيشانية «غروزني» شهدت عقد مؤتمر عنون بـ«مؤتمر أهل السنة والجماعة»، لوضع تعريف من «هم أهل السنة والجماعة» أو لـ«تصويب الانحراف الحاد والخطر» في هذا التعريف، كما قال القائمون على المؤتمر.
حصر المؤتمر أهل السنة والجماعة في «الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكيةً»، ليعني ذلك إخراج كل من خالفهم من دائرة السنة والجماعة، وهو الهدف الذي أقيم من أجله المؤتمر، برعاية الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، وروسيا، وإيران، وبحضور مفتي مصر، وسوريا، وثُلة من مشايخ الأزهر.
اهمال السعودية
وأثار المؤتمر ردود فعل غاضبة ضمن التيارات السلفية لما خرج به المؤتمر إذ استثنت توصياته تلك التيارات من التعريف، كما لم تدرج المؤسسات الدينية السعودية ضمن المؤسسات التعليمية "العريقة"، علاوة على مكان انعقاد المؤتمر في الدولة التابعة لروسيا.
توصيات المؤتمر
وتضمنت توصيات المؤتمر الذي حمل عنوان "من هم أهل السنة والجماعة" وحضره شيخ الأزهر وعدد من كبار رجال الدين من حول العالم، أن أهل السنة والجماعة هم "الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكيةً" وفقا للبيان، الذي حض أيضا على إنشاء قناة تلفزيونية على مستوى روسيا "لتوصيل صورة الإسلام الصحيحة."
خوارج العصر
قال الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف إن المسلمين يعانون من "خوارج العصر"، مشيراً إلى أن "مؤتمر أهل السنة والجماعة" الذي أغضب السعودية وأحدث ضجة كبيرة جاء لمواجهة خوارج العصر.
وأضاف الرئيس الشيشاني، خلال تصريحاته ببرنامج "ممكن" المذاع على قناة "سي بي سي"، أمس الخميس، أن المسلمين في العالم فُتنوا بالخوارج، لافتًا إلى أنهم يهدفون إلى حماية الجيل الجديد من الافتتان بهؤلاء الخوارج.
وقال إن مؤتمر"أهل السنة والجماعة" ليس له علاقة بالرئيس فلاديمير بوتين و"نحن خدام للإسلام والمسلمين".
وذكر ان "تنظيم "داعش" قتل أكثر من 1500 شخص ولدينا رغبة فى بلادنا بضرورة القضاء على خوارج هذا العصر".
هستيريا سعودية
واثار المؤتمر هستيريا سعودية شديدة دفعت ما يُسمى بـ "هيئة كبار العلماء" الى التراجع عن مواقفها المتطرفة ضد كل من يحيد عن منهاجها قيد أنملة وأصدرت بيانا "متسامحا " ربما يعد الأول من نوعه، جاء فيه: " «الفقهاء والعلماء والدعاة ليسوا بدعا من البشر؛ فأنظارهم متفاوتة، والأدلة متنوعة، والاستنتاج متباين، وكل ذلك خلاف سائغ، ووجهات نظر محترمة، فمن أصاب من أهل الاجتهاد فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، والخلاف العلمي-بحد ذاته- لا يثير حفائظ النفوس، ومكنونات الصدور؛ إلا عند من قلّ فقهه في الدين، وساء قصده ونيته»."
الشماعة الإيرانية
واعتبر آل الشيخ أن المؤتمر "يستهدف المملكة وبوضوح" متهما الاستخبارات الإيرانية والروسية بالوقوف خلفه "لإخراج المملكة من أهل السنة والجماعة" وختم بالقول: "اختلف مع المتطرفين الغلاة ونالني منهم الكثير لكن إذا تعلق الامر بتقزيم الوطن وتهميشه سأتحول الى أكبر متشدد؛ فالوطن قضية موت وحياة في معاييري."
الصحافة السعودية
ونشرت صحيفة عكاظ المقربة من البلاط السعودي مقالا تحت عنوان "مؤتمر الشيشان" حاولت فيه التقليل من شأن المؤتمر والتشكيك به وجاء فيه: " جاءت التوصية وكأنها تحمل نوعا من الفرز والتصنيف القائم على إدخال جماعات وإخراج أخرى، وهذا خطأ منهجي واضح، ففي كل مذهب من تلك المذاهب التي ذكرتها التوصية انقسامات وتنوع وفرق داخل فرق الأمر الذي يجعل من شمولها بهذا التعريف نوعا من العمومية التي لا يمكن أن تمثل مرجعا ولا موقفا علميا".
هذيان
وأخذت صحيفة الرياض السعودية تهذي وكتبت مقالا غير مترابط ولا يسير بنهج منطقي، جاء فيه:" عندما تطالب توصيات المؤتمر بـ(عودة مدارس العلم الكبرى، والرجوع إلى تدريس دوائر العلم المتكاملة التي تخرج العلماء والقادرين على تفنيد مظاهر الانحراف الكبرى) سنجد بأنها ردة كبرى لم يعد العصر ولا طبيعته ولا متطلباته أن تفتتح هذا النوع من المدارس/الكتاتيب التي حتما ستعيد تدوير الأفكار التي تستمد مصداقيتها عبر طمس الآخر ونفيه، في زمن تسير فيه شعوب الأرض نحو أزمنة التعايش والتسامح والانشغال بنهضة الشعوب ومشروعاتها التنموية"، فيما وصفت المؤتمر بأنه صندوق باندورا الأسطوري.
طاقية قاديروف
واختارت صحيفة المدينة أن تسهب بالحديث عن طاقية قاديروف والحرب على داعش، كمن يقول الفيل حيوان كبير ذنبه يشبه الدودة ثم يتجه لشرح دورة حياة الدودة ناسيا الفيل.
تعتيم اعلامي
ولم تنشر صحيفة الوطن السعودية أي خبر عن المؤتمر ولا نتائجه وما جاء به واكتفت بنشر بيان ما يُسمى بـ "هيئة كبار العلماء"، اما بقية الصحف السعودية فإنها حاولت التمويه على الخبر وعدم ذكره في الصفحة الأولى، إلا من اضطر الى ذكر بيان الهيئة، بما لا يشير الى نص البيان والتوصيات التي خرج بها.
وفيما يلي نص البيان كما نشرته وكالة خبر اليمنية
نص بيان مؤتمر "من هم أهل السنة" :
بِسْم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي مساء الخميس الحادي والعشرين من ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وألف موافق الخامس والعشرين من أغسطس سنة ست عشرة وألفين من الميلاد، وفي ظل محاولات اختطاف لقب (أهل السنة والجماعة) الشريف من قبل طوائف من خوارج العصر والمارقين الذين تُسْتَغل ممارساتهم الخاطئة لتشويه صورة الدين الإسلامي، انعقد المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين إحياء لذكرى الشيخ الشهيد الرئيس أحمد حاج قديروف رحمه الله تحت عنوان: (من هم أهل السنة والجماعة؟! بيان وتوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة اعتقادا وفقها وسلوكاً، وأثر الانحراف عنه على الواقع)، برعاية كريمة من فخامة الرئيس رمضان أحمد قديروف حفظه الله، وحضور رفيع لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والمفتين، وأكثر من مئتي عالم من علماء المسلمين، من أنحاء العالم. وقد خَلُص المؤتمر إلى الآتي:
*اعتماد كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وثيقة أساسية للمؤتمر.
* أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية "ومنهم أهل الحديث المفوضة" في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً على مسلك الإمام الجنيد وأمثاله من أئمة الهدى، وهو المنهج الذي يحترم دوائر العلوم الخادمة للوحي، ويكشف بحق عن معالم هذا الدين ومقاصده في حفظ الأنفس والعقول، وحفظ الدين من تحريفه والعبث به، وحفظ الأموال والأعراض، وحفظ منظومة الأخلاق الرفيعة.
* للقرآن الكريم حرم يحيط به من العلوم الخادمة له، المساعدة على استنباط معانيه، وإدراك مقاصده وغاياته الموصلة إلى الله، واستخراج العلوم الـمُودعة فيه، وتحويل آياته إلى حياة وحضارة، وآداب وفنون وأخلاق ورحمة وراحة، وإيمان وعمران، وإشاعة السلم والأمان في العالم، حتى ترى الشعوب والثقافات والحضارات المختلفة عيانا أن هذا الدين رحمة للعالمين، وسعادة في الدنيا والآخرة.
* منهج أهل السنة والجماعة هو أجمعُ وأدق مناهج أهل الإسلام وأتقنها، وأشدها إحكاما، وأكثرها عناية بانتقاء الكتب العلمية ومنهجيات التدريس التي تعبر تعبيرا صحيحاً عن طريقة العقل المسلم في إدراك الشرع الشريف، وإدراك الواقع بكل تعقيده، وحسن الربط بينهما.
* قامت تلك المدارس العلمية المعبرة عن أهل السنة والجماعة عبر قرون كثيرة بتخريج مئات الألوف من العلماء والخريجين، الذين انتشروا في آفاق الدنيا من سيبيريا إلى نيجيريا، ومن طنجة إلى جاكرتا، وتولوا الرتب والمناصب المختلفة، مع الإفتاء والقضاء والتدريس والخطابة، فاستفاض بهم الأمان في المجتمعات، وأطفئوا نيران الفتن والحروب، واستقرت بهم الأوطان، وانتشر بهم العلم والوعي الصحيح.
* ظل أهل السنة والجماعة عبر التاريخ يرصدون كل فكر منحرف، ويرصدون مقالات الفرق ومفاهيمها، ويقيمون لها موازين العلم والنقد والتفنيد، ويظهرون الإقدام والحزم في مواجهة مظاهر الانحراف، ويستخدمون أدوات العلوم الرصينة في التمحيص والتصويب، فكلما نشط منهجهم العلمي انحسرت أمواج التطرف، واستقام الأمر للأمة المحمدية لتتفرغ وتنصرف لصناعة الحضارة، فوجد العباقرة من علماء الإسلام، الذين أسهموا في الجبر والمقابلة والحساب والمعادلات المثلثية، وعلوم الهندسة التحليلية، والكسور الاعتيادية واللوغاريثمات، والوزن النوعي، وطب وجراحة العيون، والطب النفسي، وعلوم الأورام، والأوبئة، والأجنة والعقاقير، وموسوعات الصيدلة، وعلوم الحيوان والنبات، والجاذبية الأرضية، وعلوم النجوم والبيئة، وعلوم الصوتيات والبصريات، وغير ذلك من العلوم، وتلك ثمرات منهج أهل السنة والجماعة التي لا تنكر.
* تكرر عبر التاريخ هبوب أمواج من الفكر المضطرب والمنحرف، الذي يدعي الانتساب إلى الوحي الشريف، ويتمرد على المنهج العلمي الصحيح ويروم تدميره، ويزعزع أمن الناس واستقرارهم، وكانت أولى تلك الموجات الضالة الضارة، الخوارج قديما، وصولا إلى خوارج العصر الحديث من أدعياء السلفية التكفيرية، وداعش ومن سار على نهجهم من التيارات المتطرفة والتنظيمات المُسيَّسة التي يعتبر القاسم المشترك بينها هو التحريف الغالي والانتحال المبطل، والتأويل الجاهل للدين، مما ولَّدَ عشرات من المفاهيم المضطربة المغلوطة، والتأويلات الباطلة التي تناسل منها التكفير والتدمير، وإراقة الدماء والتخريب، وتشويه اسم الإسلام، والتسبب في محاربته والعدوان عليه، وهو ما استوجب انبراء العدول من حملة هذا الدين الحنيف لتبرئته من كل ذلك مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).
* يأتي هذا المؤتمر ليكون بإذن الله نقطة تحول مباركة لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذي طال مفهوم "أهل السنة والجماعة" إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقصرِه على أنفسهم، وإخراج أهله منه، وذلك من خلال تفعيل المنهج العلمي الرصين الأصيل الذي تبنته مدارسنا الكبرى التي تمثل صِمَام الأمان في تفكيك أطروحات التكفير والتطرف، ومن خلال إرسال رسائل الأمان والرحمة والسلام للعالمين، حتى ترجع بإذن الله بلداننا كلها منابر للنور، ومنابع للهداية.
وقد خلص المؤتمر أيضا إلى عدة توصيات:
1. إنشاء قناة على مستوى روسيا توصل صورة الإسلام للمواطنين وتحارب التطرّف والإرهاب.
2. العناية والاهتمام الضروريان بقنوات التواصل الاجتماعي، وتخصيص ما يلزم من الطاقات والخبرات للحضور في تلك الوسائط حضوراً قويا فاعلا.
3. عودة مدارس العلم الكبرى للوعي بذاتها وتاريخها ومناهج تدريسها الأصيلة والعريقة، والرجوع إلى تدريس دوائر العلم المتكاملة، التي تصنع العلماء القادرين على الهداية، وعلى تفنيد مظاهر الانحراف الفكري، وعلى إشاعة العلم والأمان، وحفظ الأوطان.
4. رفع مستوى الاهتمام والعناية بتدريس كافة العلوم الإسلامية، وخاصة علمي أصول الفقه والكلام لضبط النظر وتصحيح الفكر وتفنيد مقولات التكفير والإلحاد.
5. أن يتم إنشاء مركز علمي بجمهورية الشيشان العتيدة لرصد ودراسة الفرق المعاصرة ومفاهيمها، وتشكيل قاعدة بيانات موثقة تساعد على التفنيد والنقد العلمي للفكر المتطرف ومقولاته، ويقترح المؤتمرون أن يحمل هذا المركز اسم (تبصير).
6. ضرورة رفع مستوى التعاون بين المؤسسات العلمية العريقة كالأزهر الشريف، والقرويين والزيتونة وغيرها، ومراكز العلم والبحث فيما بينها ومع المؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية.
7. ضرورة افتتاح (منصات تعليمية) للتعليم عن بُعد لإشاعة العلم الآمن، حيثُ إنها تخدم الراغبين في العلم والمعرفة ممن يمنعهم عملهم من الانتظام في التعليم النظامي.
8. توجيه النصح للحكومات بضرورة دعم المؤسسات الدينية والمحاضن القائمة على المنهج الوسطي المعتدل، والتحذير من خطر ما تقوم به بعض الحكومات من اللعب على سياسة الموازنات وضرب الخطاب الديني ببعضه، وأنه لا ينتج إلا مزيدا من القلق في المجتمع، وتفتيتاً لصفه.
9. يوصي المؤتمر الحكومات بتشريع قوانين تُجرِّم نشرَ الكراهية والتحريض على الفتنة والاحتراب الداخلي والتعدي على المؤسسات.
10. يوصي المشاركون مؤسسات أهل السنة الكبرى - الأزهر ونحوه – بتقديم المنح الدراسية للراغبين في دراسة العلوم الشرعية من المسلمين في روسيا.
11. يوصي المشاركون أن ينعقد هذا المؤتمر الهام بشكل دوري، لخدمة هذه الأهداف الجليلة، ومواكبة ما يستجد من تحديات ومواجهتها.
12. تكوين لجنة لمتابعة تنفيذ النتائج والتوصيات التي تضمنها هذا البيان.
وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
صدر في الشيشان، غروزني، 24 ذو القعدة 1437هـ،27 أغسطس 2016
تسنيم