حزب الله لا يريد الحرب.. ولكن؟
جهاد حيدر
لم يكشف جيش العدو جديداً عندما قدَّم تقديره أمام وزير الأمن الجديد افيغدور ليبرمان، مؤكدا بأن حزب الله غير معني بنشوب حرب مع إسرائيل، في هذه المرحلة وفي الفترة القريبة. وربط التقدير هذه الخلاصة، بمجموعة من العناوين المتصلة بقتاله في سوريا وما ترتب على ذلك من شهداء وجرحى، وبالوضع السياسي اللبناني..
أي سياق لهذا التقدير، في التوقيت والمضمون؟ وأي مفاعيل عملية مفترضة له؟ وأين يكمن الفخ الذي يمكن أن تستدرج اليه إسرائيل؟
بداية، ينبغي التذكير بحقيقة أن استخبارات العدو لا تتناول في تقديراتها نوايا القيادة السياسية في تل ابيب، وانما تركز في متابعتها المعلوماتية على أعداء إسرائيل، وتحديداً حزب الله، باعتباره يمثل التهديد الاستراتيجي للدولة العبرية. ولذلك، فإن التقديرات الاستخبارية تتناول مسار وتطور توجهاته وقدراته..
· التقدير الذي قدَّمه الجيش أمام وزير الأمن، هو خطوة بروتوكولية يبادر اليها في كل مناسبة مشابهة، ويصبح التقدير أكثر الحاحا عندما تتولى حقيبة الأمن شخصية لا تملك خبرة بالقضايا الأمنية، كما هو حال افيغدور ليبرمان.
· ايضا، تشهد إسرائيل حالة من التوثب والجهوزية العملانية – تظهر من خلال مناوراتها الدائمة - ازاء الجبهة الشمالية على وجه الخصوص. ويعود ذلك، إلى تقدير عام تتبناه المؤسسة الإسرائيلية، مفاده أن هذه الجبهة يمكن أن تشتعل في أية لحظة غير متوقعة.. الامر الذي يفرض ضرورة مواكبة هذه الجبهة بالمتابعة الاستخبارية على مستوى المعلومات والتقدير.
· إلى ذلك، ينبغي التوضيح بأن السبب الاساس لهذا الاستعداد العملاني يعود إلى ادراك الإسرائيلي بأن اعتداءاته المتكررة على الساحة السورية، والتي يمكن أن تتمدد باتجاه لبنان (كما كشفت رسائل الامين العام لحزب الله الردعية). تنطوي على امكانية التسبب بتفجير ما..
· في السياق نفسه، تشهد الساحة السورية حالة من التجاذب الميداني والتي يمكن لسبب من الاسباب أن تتمدد باتجاه جبهة الجولان.. خاصة وأن الساحة السورية بدت خلال السنوات الماضية أنها ساحة التطورات غير المتوقعة..
· كل ذلك، شكَّل سببا كافيا للمؤسسة الإسرائيلية بكافة عناوينها، ومن ضمنها الاستخبارية، كي تبقى في جهوزية معلوماتية وعملانية.. وفي هذا الاطار يندرج التقدير المتجدد لمسار التطورات على الساحة الشمالية، وأثرها على الوضع الأمني مع إسرائيل.
· من جهة أخرى، يوحي تقدير الجيش، عندما تحدث عن أن حزب الله غير معني بالحرب في هذه المرحلة، كما لو أن حزب الله كان معنياً بنشوب حروب ضد إسرائيل في فترات دون أخرى. مع العلم ان الفكر الاستراتيجي لحزب الله، لا ينطوي على شن حروب ابتدائية ضد إسرائيل، وانما يتبنى استراتيجية المقاومة.. والردع والدفاع في مقابل الحروب التي قد تشنها إسرائيل.. وعلى ذلك، فإن كافة المواجهات الواسعة التي خاضها حزب الله، بما فيها العام 2006، كانت من موقع الدفاع، فيما كان الإسرائيلي في موقع المهاجم.
حزب الله لا يريد الحرب ...ولكن
المفاعيل العملية للتقدير الاستخباري:
· شكلت الرؤية الإسرائيلية القائمة على استبعاد أن يكون حزب الله معني بنشوب حرب مع إسرائيل، منطلقا لكافة الاعتداءات التي شنها جيش العدو حتى الآن في سوريا، ومحاولته تمديدها باتجاه لبنان. اذ رأت قيادة العدو أن مصلحة حزب الله تكمن في عدم خوضه مواجهة واسعة مع العدو في الوقت الذي يخوض فيه قتالا دفاعيا عن الوجود في مواجهة الجماعات التكفيرية والارهابية. وبالتالي كان هذا التقدير مصدر اطمئنان أو ترجيح إسرائيل بأن حزب الله لن يرد على اعتداءاتها التي شنتها..
· في السياق نفسه، يمكن للعدو أن يخطط ويسعى لشن المزيد من الاعتداءات ازاء لبنان. ويبدو ايضا أن إسرائيل كانت في هذا الوارد في المرحلة السابقة، وهو ما يمكن استخلاصه من الرسائل التي وجهها أمين عام حزب الله ضد العدو عندما تحدث عن ردود قد تصل في تدحرجها إلى استهداف منشآت استراتيجية في عمق كيان العدو.. وأخيرا رسالته بالرد خارج مزارع شبعا.
أين يكمن الفخ التقديري؟
· إن العوامل التي استند اليها العدو للرهان على انكباح حزب الله عن الرد، ولخصها بقتاله الدموي في سوريا.. يكمن فيها خطر الاستدراج إلى فخ قد تكون إسرائيل نصبته لنفسها، بفعل المبالغة في التقدير والرهان على فعالية العوامل المذكورة لردع حزب الله..
· ويمكن القول أن خطأ العدو في التقدير يكمن في الغفلة عن حقيقة أن حزب الله غير معني بنشوب حرب، لا يعني أنه مستعد للتسليم بأي مستوى من الاعتداءات الإسرائيلية وفي كل الساحات. وعلى ذلك، فهو لا يريد الحرب لكن ليس بأي ثمن، وثبت أنه مستعد لخوضها في حال فرضها العدو عليه..
· ويمكن تقدير خلفية موقف حزب الله وتوجهه بالرد المؤلم، بأن الاضرار التي يمكن أن تترتب على أية مواجهة، تبقى أقل مما قد يترتب على قناعة العدو بأنه بات يملك هامشاً واسعاً في شن اعتداءاته وبما يُمكِّنه من توجيه ضربات متواصلة ومتقطعة ازاء الاهداف التي يراها ملحة في سوريا ولبنان.
· على ضوء ما تقدم، تتجلى مفاعيل وأهمية المعادلة التي أرساها سماحة الامين العام لحزب الله، وأخرها الرد خارج مزارع شبعا. إذ لم يعد بإمكان قيادة العدو تبرير الأثمان التي ستدفعها نتيجة رد حزب الله الذي قد يتطور تصاعديا، بأنها لم تكن تعرف بأن اعتداءها سيؤدي إلى ردود قاسية ومؤلمة من قبل حزب الله..