اردوغان بين اليقظة والضياع
بات التخبط احدى السمات الاساسية لسياسة تركيا الداخلية والخارجية التي تنحصر في شخص اردوغان الماسك بتلابيب السلطة والذي يدفع بالامور لتغيير النظام البرلماني في البلد الى نظام رئاسي بأي ثمن كان ليتوج نفسه سلطانا بلا منازع في ثياب رئيس الجمهورية ولا يترك فرصة الا ويركز على الوصول الى اهدافه المعلنة لتكون له الكلمة الاولى والاخيرة ليس في حزب العدالة والتنمية وفقط بل في الدولة ايضا ولا يسمح لمنافسيه فرض رواءهم ومن يفعل ذلك فيصبح خارج الحزب والسلطة وهذا ما ثبت على ارض الواقع من خلال تعامله مؤخرا مع احمد داوود اوغلو الامين العام لحزب العدالة التنمية ورئيس وزرائه .
مفارقة عجيبة ان يطيح اردوغان باوغلو رفيق دربه ومهندس العثمانية الجديدة التي روج لها لصالح اردوغان ليكون اليوم خارج السلطة ليخسر الوظيفة والموقع معا. وبالطبع لن يكون احمد داوود اوغلو الرجل الاول الذي يطيح به اردوغان لقد سبق وان ابعد من قبل الرئيس السابق عبدالله غل الرجل القوى في حزب العدالة والتنمية عن الساحة السياسية لسبب بسيط بانه لا ينسجم مع افكاره وتطلعاته.
ويرى الكثير من المراقبين ان السياسة الاحادية التي يتبعها الرئيس اردوغان في الداخل والخارج تقود اليوم تركيا الى المجهول وانه بات في نفق مظلم وكأنه لايريد ان يتعظ من انتكاسات سياساته في سوريا حتى ليعدل من نهجه التي وضعت تركيا في مهب الريح بعد ان بنى احلامه في الهيمنة على المنطقة كلها من خلال تصديه للساحة السورية لكنه اليوم اكتشف انه خسر العديد من المواقع في المنطقة وبات ينكفئ الى الداخل المحبط والمهتز نتيجة للصراعات والخلافات الداخلية التي تجسدت بالامس من خلال الخطوة الخطيرة التي قام بها البرلمان التركي بالتصويت على رفع الحصانة عن 138 نائبا اغلبهم من حزب الشعوب الديمقراطي المعارض وزعيمه اضافة الى نواب ثلاثة احزاب اخرى وهذا ما يدفع بالامور باتجاه خطير يفتح الباب امام صراع مخيف يعرض الجبهة الداخلية الى مخاطر كبيرة تندر بوقوع حرب اهلية وهذا ما ذهبت اليه صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا لتحذر من وقوع هذه الحرب مستقبلا.
واذا ما اهتز الوضع الداخلي في تركيا لا سمح الله وذهب هذا البلد باتجاه اللااستقرار فالى اين ستذهب المنطقة والعالم ومن يدفع ثمن ذلك؟! وما هي نتائجه؟! لكن ما برز مؤخرا من تصريحات نسبت الى الرئيس اردوغان ونقله موقع "سوريا الان" حول رؤيته الجديدة تجاه الارهاب في سوريا والدول التي تدعم الارهاب يكاد لا يصدق لكن يبدو ان تطورات الداخل التركي دفعت بالرجل ليتخلى عن احلامه الخارجية فعلا ولا نرى سببا آخر.
فلاول مرة يحذر الرئيس اردوغان الدول التي تزود الارهابيين في سوريا بالاسلحة بالقول بان هذا السلاح سيرتد عليكم. كلام جميل ولا غبار عليه لكن ما يثير الكثير من الانتباه والحيرة ماذا يقول الرئيس اردوغان وكأنه يعيش في كوكب آخر وليس رئيس جمهورية تركيا التي فتحت حدودها بلاحدود امام عبور السلاح والارهابيين الذين اتوا بهم من شتى بقاع العالم وحتى فتحت مستشفياتها لمعالجتهم. من الذي دافع جهازا نهارا طيلة اكثر من خمس سنوات عن المسلحين في سوريا الذي كان يتزعمهم "داعش" و"النصرة"؟! ومن الذي كان وسيطا في بيع النفط الذي سرقه داعش من انبار النفط في سورية والعراق ؟! من الذي لا يعرف ان تركيا عارضت باستمرار مواجهة داعش ومحاربتها؟!
فما عدا مما بدا ان يستيقظ فجأة الرئيس اردوغان من سباته ويحذر الدول التي تزود الارهابيين في السورية بالسلاح!
نتمنى ان يكون الرئيس اردوغان صادقا مع نفسه ليحول دون سفك المزيد من الدماء في سوريا ويجنب بلاده من ويلات هي في غنى عنها لان هؤلاء التكفيريين سيعودون عاجلا ام آجلا الى تركيا الممر الذي دخول منه الى سوريا!!