العقل الصّهيوني يخطط .. والجماعات التكفيريّة تنفّذ ... والاغتيالات لن تتوقف !؟
مصطفى قطبي
اعتبر الخبير والباحث المغربي مصطفى قطبي اغتيال القائد مصطفى بدر الدين ، هو استهداف لخط المقاومة و لكل من لديه عقل ينظم الأولويات بطريقة مختلفة عن بعض الجهات التكفيرية والتقتيلية في المنطقة ورآى ان العقل الصّهيوني هو الذي يخطط للجريمة فيما الجماعات التكفيريّة تنفّذ ، مؤكدا إن مسؤولية كل عربي شريف وحر، أن يعيش هذه المرحلة بمسؤولية لأنه مسؤول عن أخطر مرحلة يعيشها ، ويجب أن لا ينس الخطر الصهيوني الذي يهنأ اليوم بما يحصل على خشبة المسرح العربي وغياب القضية المركزية .
و كتب الخبير "مصطفى قطبي" مقالا خص به وكالة "تسنيم" تناول فيه ابعاد اغتيال القائد الجهادي في حزب الله مصطفى بدر الدين ، جاء فيه :
باستشهاد القائد العسكري مصطفى بدر الدين ، يستمر التكفيريون في غيهم وفي مخططهم الطامح إلى إلغاء العقل والفكر والانتماء الوطني والقومي، من أجل ثبات انسجامهم مع الاتجاهات الصهيونية والرجعية والمذهبية والفاشية... فالأكاديميات الإرهابية الصهيو ـ أميركية لا تزال تخرج أفواجها من الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة وتقدمهم إلى العالم باعتبارهم القوى الثورية التي ستجلب الحرية والديمقراطية والحياة الحرة والكريمة للشعب السوري، بينما الواقع والبرهان يثبتان أن هذه الأفواج مستعدة للتضحية بأرواحها لإبادة الحرث والنسل في المنطقة ، بل والعالم من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لهذا التحالف، وكذلك من أجل الانتقام وإحداث الفوضى. ووفقاً لذلك، تواصل تلك الأفواج التي اتخذت مسميات إسلامية وعربية لا تمت إلى الإسلام ولا إلى العروبة بصلة، ما أسند إليها من مهمات إرهابية صهيو ـ أميركية، لتدمير الدول العربية وتمزيق مجتمعاتها وبسلاح صهيو ـ أميركي مشترى بأموال خليجية عميلة للأسف .
ولعل أكثر السعداء لاغتيال القائد المجاهد مصطفى بدر الدين ، هي العصابات «الإسرائيلية» ... وعصابات تكفيرية أخرى، اختلفت تسمياتها لكنها من حيث الغايات هي «إسرائيلية» سواء كانت تدرك أو تجهل ذلك ... سواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود فإن الذين يسيرون في الطريق ذاته هم بالنتيجة سيصلون للأهداف ذاتها أو هكذا يظنون .
لقد استقر الرأي في لبنان والوطن العربي وفي «إسرائيل»' بخاصة، أن الشهيد مصطفى بدر الدين، كالشهيد عماد مغنية، كادر قيادي في حزب الله. غاب القائد النجم لكنه لم يسقط . فبدر الدين باق في البصائر ، وإن افتقدته الأبصار شأنه في ذلك شأن بقية الرموز التي يتكون منها ''بنك الأهداف'' التي يعمل على تصفيتها، أو تتم تصفيتها بيد عملاء الـ CIA ، و الموساد؛ المنزرعين خلف خطوط العرب، ويعملون لمصلحة «إسرائيل» .
وقائمة ''بنك الأهداف'' هذه طويلة ، وأطول مما يتاح للعدو تصوره في هذا الصراع الوجودي مع العرب . وقد أكد حزب الله لبنان في بيان صدر عنه صباح السبت، أن الانفجار الذي أدّى إلى استشهاد السيد مصطفى بدر الدين ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية المتواجدة في تلك المنطقة، وشدد على إن نتيجة التحقيق ستزيد من عزم وإرادة وتصميم الحزب على مواصلة القتال ضد هذه العصابات الإجرامية وإلحاق الهزيمة بها .
إن ارتفاع مستوى الإرهاب و الإيغال في الدم السوري ورجال المقاومة ، برهان جديد على أن كيان الاحتلال «الإسرائيلي» قد انخرط مباشرة في المؤامرة الإرهابية على سوريا بضخ المزيد مما يحتاجه عملاؤه من العصابات الإرهابية من سلاح وقذائف بعيدة المدى تكون قادرة على الوصول إلى أبعد مدى، إذ لم يكن قبل ذلك بمقدور هذه العصابات التكفيرية الإرهابية إطلاق قذائف صاروخية على العاصمة دمشق بخاصة بعد أن وسع الجيش العربي السوري الحزام الأمني عن دمشق بحيث لا تطولها هذه القذائف الإرهابية، وأنه بمضاعفة الهجمات الإرهابية من قبل عملاء كيان الاحتلال «الإسرائيلي» في سوريا فيه إنهاك واستنزاف ورد معاً لمحور المقاومة، وأنه يأتي في الإطار العملاني لإشغال محور المقاومة وعدم تمكينه من فتح جبهة الجولان السوري المحتل ، و ليؤكد أيضاً أنه قد طور من مهمته الموكلة إليه في دعم الإرهاب من تحت الطاولة إلى فوقها، وأن التنسيق والدعم اللوجستي والاستخباراتي وتوجيه العملاء والمرتزقة والإرهابيين ودعمهم بكل ما يحتاجونه هو من صميم هذا التطوير والتحول المباشر .
ومن المؤسف والمؤلم في الوقت ذاته ، أن هذا الإرهاب التكفيري غير المسبوق يتم تقديمه إلى العالم على أنه ''معارضة سورية معتدلة'' ، و هناك من لا يزال تنطلي عليه هذه الدعايات والأكاذيب المخفي وراءها أجندات تدمير سوريا وإخراجها من معادلة الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بعد تدمير العراق وليبيا وتمزيق السودان وتقسيمه إلى أكثر من سودان، وجارٍ التمهيد لتدمير مصر. في حين تقدم العصابات التكفيرية الإرهابية المسلحة إرهابها هذا على أنه ''ثورة'' ضد الظلم والفساد، ومن أجل الحرية والديمقراطية!
إن من صنع ''داعش'' و''جبهة النصرة'' و''القاعدة'' و''جيش الفتح'' و''جيش الإسلام'' و''أحرار الشام'' و''جند الأقصى'' و''لواء السلطان مراد'' و''حزب التحرير التركستاني'' والعشرات من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، ومن مدّهم بالسلاح والمال والتدريب والفتاوى والحماية السياسية والإعلامية، هو سيد الإرهاب بلا منازع ، وينبغي تالياً أن يكون عدواً مشتركاً للبشرية جمعاء . كما إن أكاذيب قوى الإرهاب وأمراء الحرب ومن يموّلهم ويدربهم ويسلحهم في السعودية وقطر وتركيا بتوجيه من أسيادهم في أميركا و«إسرائيل» لم تعد تنطل على السوريين الذين ذاقوا مرارة خطف أبنائهم وذبحهم وتخريب بيوتهم وتشريدهم، كما لم تعد تنطلي على أحد ممن رأى ما فعله هؤلاء القتلة المجرمون من تدمير للمرافق العامة والبنى التحتية والآثار والمكتبات العامة وتعطيل أعمال الناس وسرقة مصانعهم وترويع الآمنين بقذائف الحقد العمياء التي تطلق عليهم على امتداد الأرض السورية.
إن اغتيال المقاوم القائد مصطفى بدر الدين، هو استهداف لخط المقاومة: لكل فكر مقاوم... واستهداف لكل من لديه عقل ينظم الأولويات بطريقة مختلفة عن بعض الجهات التكفيرية والتقتيلية في المنطقة... وهذا استهداف لكل من يملك شجاعة أن يعبر عن موقفه المختلف مع اتجاهات التكفير والقتل في سوريا وفي المنطقة. ومن غير الممكن التغاضي عن الدور الهدام الذي تمارسه حكومات الدول الداعمة للإرهاب، إذ يقوم النظامان السعودي والقطري بالإساءة للعرب والمسلمين عبر نشر أفكار وهابية تكفيرية جاهلية متطرفة وتعاليم مغلوطة وتفسيرات مشوهة للدين الإسلامي، كما يقومان والنظام التركي بتقديم الدعم بشتى أشكاله للإرهاب التكفيري العابر للحدود والقارات والقوانين واستغلاله لخدمات أجندات هدامة على حساب السلم والأمن الدوليين ودماء وأرواح ضحايا الإرهاب في العديد من الدول. وأعتقد أنَّ ''المستثمرين في الإرهاب'' ، أي الذين لهم مصلحة في ''بث الخوف من الإرهاب'' ، هُمْ فئة لا تقل خطراً عن الإرهابيين أنفسهم؛ فالمستثمرون في الإرهاب هُمْ من ذوي المصالح التي تسوِّل لهم أنْ يرتكبوا جرائم إرهابية؛ ولكن بأيدي غيرهم! ويكفي أنْ تكون لهم مصلحة في أنْ يبثوا ''الخوف من الإرهاب'' حتى يشتد الميل لديهم إلى أنْ يزاولوا بعضاً من الإرهاب من وراء الستار.
جاك ميار. نائب وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي يقول: علينا عدم دفن رؤوسنا في الرمال وفتح ملفات حلفائنا السعودية وقطر وبعض الدول في الاتحاد الأوروبي التي ساهمت بتغذية هذا الإرهاب. أما الجنرال جيمس ماتيس قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي وعند الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأميركي في 2013 فقد قال : إن اعتماد سياسة التعمية والتضليل من قبل CIA بعدم الإفصاح عن المنبع الأساسي للإرهاب وغض النظر عن ممارسات حلفائنا الخليجيين أمر مخيف وقد نضطر للاستمرار بمحاربة الإرهاب حتى العام 2050. باغتيال القائد المجاهد والمقاوم ''مصطفى الدين'' ، لا ينتهي عصر الاغتيالات في سوريا... فنحن في زمن الاغتيالات... فالإرهابيون التكفيريون لا يؤمنون بالأديان، ولا بالإنسان، ولا بالأوطان... لا ينظرون إلى الحياة بوهجها الإنساني، والحضاري، والأخلاقي، والوطني، فالدم يلون طريقهم إلى عالم مملوء بالشهوات الأبدية... فالإسلام عندهم فراش، ونساء، الإسلام عندهم لا يقدّم حلولاً لقضايا الحياة: الفساد، الفقر، التعليم، الأمية، البطالة، الفوضى، التفاعل الاجتماعي، الإنساني، ولا لقضايا الأوطان، و القدس، والأقصى، والكرامة العربية... فالإسلام عندهم يقدم حلولاً للشهوات الجسدية: ثمة نساء، وخمر، وأنهار من لبن، وعسل، وفواكه من كل الثمرات. الإرهابيون التكفيريون لا ينظرون إلى قضايا العالم العربي، هناك استهتار بهذه القضايا، وهذا نتاج لمخطط مدروس وممنهج تقوده الاستخبارات الصهيونية والأمريكية...
ماذا يستطيع أي «إسرائيلي» أن يقدم للكيان الصهيوني أكثر مما يقدمه هؤلاء التكفيريون الإرهابيون وهم يدمرون سوريا ويزرعون الفتن بين الطوائف ويحاولون زلزلة خنادق العروبة، والمقاومة، والإسلام الحنيف؟! لو كان الإرهابيون يمتلكون عقولاً نيرة في الدين، والقيم، والوطنية لأدركوا أن اغتيال المقاومين الأحرار والشرفاء، لا يخدم سوى أعداء الأمة، وأعداء الإسلام... فأصحاب الفكر التكفيري، القتلة، ليسوا أصوليين، وليسوا متدينين، وليسوا مجاهدين، وليسوا مع الحرية، ولا مع الديمقراطية، الكبار منهم ماسونيون، والأتباع جهلة، غارقون في أحلام الشهوة، والرغبات الجسدية...
إن مثل هذه الذهنية التكفيرية قد أربكت العالم الإسلامي وجعلت منه مطية ومعبراً للتدخل الخارجي كما حصل في العراق وليبيا واليمن و أفغانستان... لكننا نعتمد في مقاومتنا لهذه الذهنية على العقلاء من الفاعليات كافة كي يقوموا بدورهم ويلتقوا و يقولوا بالصوت العالي خسئتم لن تمزقوا صفنا و لن تشتتوا شملنا نحن نؤمن بأن ''كل مملكة تنقلب على ذاتها تخرب''.
وعلى كل واحد منا أن يحمل معولاً ليحطم الجمود والتكفير في العقول المنقادة المريضة، وربما بتحطيم أصنام التعصب والتكفير، نحرر العقول العفنة من تبعيتها ونفتح نافذة على ظلاميتها فيدخل منها ثقافة العيش المشترك والحوار وتقبل الآخر لنحطم أصنام الجهل والتبعية، على كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون خفيراً حارساً على أمنه و أمن وطنه فلا ندع مجالاً لمخرب أو مجرم أو ارهابي ليعبث بممتلكاتنا العامة أو الخاصة أو لمندس يثير فتنة هنا ويطلق شرارة تعصب هناك يجب أن نعيش اليوم ثورة حقيقية ثورة على التفرقة... ثورة على التمزق... ثورة على كل من يكيد لوطننا وشعبنا في أمنه وعيشه ومستقبله.
إنها مسؤولية كل عربي شريف وحر، لذلك يجب أن يعيش هذه المرحلة بمسؤولية لأنه مسؤول عن أخطر مرحلة يعيشها، وليس مسؤولاً عن مراحل التاريخ الغابرة وما فيها من تجاذبات وخلافات، كما يجب ألا ينس الخطر الصهيوني الذي يهنأ اليوم بما يحصل على خشبة المسرح العربي وغياب القضية المركزية عن دائرة الاهتمام العربي الذي يعيش اليوم حالة من الضعف والتمزق والتبعية، يجب ألا ينس النهج المقاوم الذي سيبقى العائق والعثرة والمشكلة في طريق تحقيق الاستكبار العالمي لمخططاته في المنطقة.