الإنتخابات الأميركية وخيبات الرهان العربي عليها!
أمين أبوراشد
ليس لنا على العرب الأميركيين، الذين ينقسمون كما سائر المواطنين الأميركيين بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، لأن من تجنَّسوا في أميركا، باتت العروبة بالنسبة إليهم جذوراً ليست بذات أهمية، وإنقسامهم الحزبي مبنيٌ على اعتقادٍ سائد، أن الرئيس الجمهوري يذهب بسياسة بلاده الخارجية الى أبعد مدى من المغامرات، بدءاً من التدخُّل بشؤون البلاد الأخرى بداعي ضمان المصالح الأميركية وصولاً الى الحروب لحماية هذه المصالح، فيما الرئيس الديموقراطي يعمل على السياسة الداخلية والتنمية الإقتصادية وشؤون الصحة والتأمين كما كان شعار أوباما يوم دخل البيت الأبيض منذ نحو سبع سنواتٍ ونصف.
مشكلتنا هي مع العرب المقيمين، المنتشرين على مساحة إثنتين وعشرين دولة عربية، الذين يُدركون أن أي مرشَّح للمرَّة الأولى الى الرئاسة الأميركية، يحتضن اليهود من أجل حملته الإنتخابية لكسب رضا اللوبي الصهيوني، ويُغدِق على العرب وعود السلام مع إسرائيل كما هو الحال بحلٍّ يضمن قيام الدولتين، أما متى يأتي قيام الساعة لهاتين الدولتين، فهو قرارُ غرفٍ سوداء ضمن "بيتٍ أبيض”. وعندما يقرر أي رئيس أميركي الترشُّح لولاية ثانية، يغدو أقل حماسة لليهود والعرب على حدٍّ سواء، إنما أمن إسرائيل يبقى هو الأساس.
ولأن الرئيس الأميركي يبني لنفسه عادة خلال الولاية الأولى، "أرضية أميركية صافية” لميدان المنافسة مع مرشَّح مبتدىء، يعمل في الولاية الثانية من أجل تعزيز الوضع الداخلي لتلميع صورة الرحيل، مع طبخات بحصٍ شرق أوسطية، وينهيها كما فعل أوباما منذ أيام وقال: "لن أعطي المزيد من أجل السلام في سوريا وسأترك الملف لمن سيأتي بعدي”، علماً بأنه حارب بـ "الكفوف البيضاء” أكثر من الجمهوريين، عبر استخدام العرب والمرتزقة في ساحات ما يُسمَّى "الربيع العربي”.
وعلى هذا المنحى من التعاطي مع الإنتخابات الأميركية، سيبدأ العرب في خريف 2016، برهانٍ جديد على دونالد ترامب وهيلاري كلينتون إذا تجاوزا الإنتخابات التمهيدية، وعلى سياسة أميركية هم يعرفون أنها لم تتغيَّر منذ زمن رُعاة البقر مروراً بالصعود الى القمر وصولاً الى يومنا هذا، حيث السياسة الأميركية "مؤسسة” ثابتة على مصالحها وأهدافها ومخططاتها الخبيثة التي لا يُبدِّلها رحيل أوباما وقُدُوم ترامب أو كلينتون.
وقد يكون ترامب العُنصري أكثر المرشحين في تاريخ أميركا صدقاً مع نفسه ومع العالم بأسره، وهو أعلن بصراحة على الأقل عن عدائه للمسلمين، ومنعِهم من دخول أميركا فور استلامه السلطة، ونقل السفارة الأميركية الى القدس، وأعلن أيضاً عن عدوانيته للجارة المكسيك، وأنه سيبني جداراً مع جيرانه، لكن القنبلة التي فجَّرها منذ أيام، عَكَسَت صراحة غير معهودة من أي مرشَّح، وفتح نار مُبكر على السعودية، ووَصَفَها بالبقرة الحلوب التي تدرُّ ذهباً ودولارات بحسب الطلب الامريكي، مطالباً النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدلٍ عن الحماية التي تقدِّمها القوات الامريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً.
وأضاف ترامب: "متى جفَّ ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب، عند ذلك نأمر بذبحها او نطلب من غيرنا ذبحها، أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها، وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أميركا وأعداؤها وعلى رأسهم آل سعود”. وخاطب ترامب النظام السعودي قائلاً: ” لا تعتقدوا ان المجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم، وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الإنسان وتدمير الحياة، ستقف الى جانبكم وتحميكم، فهؤلاء لا مكان لهم في كل مكان من الأرض إلَّا في حضنكم وتحت ظل حكمكم، لهذا سيأتون إليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم، وقد تكبدنا الكثير من المصاريف دون أن نحصل على شيء بالمقابل،عليكم أن تدفعوا لنا، والسعودية ستكون في ورطةٍ كبيرة قريباً بسبب داعش، وستحتاج لمساعدتنا،.. لولانا لما وُجِدت وما كان لها أن تبقى”.
مُنافِسته الديموقراطية كلينتون رأيها أكثر صراحةً بموضوع داعش، لأنها لم تنفض يدها من مسؤولية أميركا المباشرة في التأسيس للإرهاب، وقد سَبَق وأعلنت أكثر من مرَّة ووثَّقت في كتابها "خيارات صعبة” أن داعش "صناعة أميركية”، وأن بدايات تأسيسها كانت مع طالبان لمحاربة السوفيات في أفغانستان، وقد أسهب سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال إطلالته مساء أمس بمناسبة "يوم الجريح المقاوم”، في تعداد مواقف كلينتون التي تؤكد "التعاون الكامل بين أميركا والقاعدة وسائر المنظمات الإرهابية لضرب حركات المقاومة”، وتشترك كلينتون مع ترامب في أن السعودية كانت المموِّل للإرهاب وما زالت، وأن كل المدارس الدينية المتطرِّفة في أفغانستان وسواها كانت بطلبٍ وتمويلٍ من السعودية، إضافة الى المساجد الوهَّابية التي تم بناؤها في أوروبا ويتمّ حالياً إقفالها وطرد المتطرِّفين من أئمتها بعد تفجيرات باريس وبروكسل.
مشكلة العرب مع أميركا تحت حُكم ترامب أو كلينتون، وخلال حُكم من سبقهما ومن سيلحقهما، هي في مشكلة أميركا مع السعودية وحلفائها، لأن السعودية كنظام ارتحلت عن العروبة منذ عقود، وغَدَت علناً أداة أميركية وبقرةً حلوب وترعى جهاراً في المرعى الإسرائيلي، وليس العرب ولا إيران من يسعى لضرب السعودية وتقسيمها، وها هي صحيفة "الجارديان” البريطانية نشرت تقريراً عام 2014 ذكرت فيه: "جميع صانعي الخرائط الأنجلو – ساكسون يُجمعون، على أنه يجب ألا تبقى السعودية دولة واحدة”، وفي عام 2015، نشر معهد "هدسون” الأميركي للدراسات تقريراً لمديره "ماكس سينجر” عن تقسيم السعودية، ثم خلال أسابيع نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى تقريراً ل "دينيس روس” أحد مهندسي غزو العراق، وآخر للمؤرخ "ديفيد فرومكين” أحد مهندسي غزو أفغانستان، وتقريراً ثالثاً للباحثَين بالمعهد "كينيث بولاك” و”دانييل بايمان” عن وجوب تقسيم السعودية، وعام 2015 أيضاً، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز” صوراً لـ "خريطة تقسيم السعودية الى خمس دول، شرقية حيث أكبر حقول النفط، وشمالية وغربية تضمَّان الأماكن المقدسة، وجنوبية ووسطى سَتُخصَّصان للوهابيين وبقايا آل سعود”.
قبل أن يفرز العرب الشعب الأميركي الى جمهوري وديموقراطي، عليهم أن يُدركوا أن العروبة قد فَرَزَت نفسها، ليس منذ بداية "الربيع العربي”، بل منذ نكبة فلسطين عام 48، وأن العرب مُعسكران، مُعسكر القضية القومية الفلسطينية ودول المواجهة والممانعة للكيان الغاصب، ومُعسكر معادٍ للفكر القومي ارتضى أن يكون أداة إستعمال للغرب، وهو قيد التلف متى انتفت الحاجة إليه ومتى "جفَّ الضرع” وهذا ما يحصل للسعودية.
وإذا كانت أميركا تستعد للرحيل سياسياً وعسكرياً ولو بشكلٍ جزئي عن الشرق الأوسط، فلأن شرقا أوسط جديدا قد وُلِد من رحم نضالات الشرفاء، وأبرز عاملٍ إقليميّ في الإنتصار، هو النصر الإيراني، ليس فقط في الملف النووي، بل في المواقف المبدئية الثابتة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كان آخرها منذ أيام الموقف المُعلن من قائد القوة البحرية لحرس الثورة الاسلامية العميد علي فدوي، من "أن الحضور العسكري الاميركي في منطقة الخليج الفارسي ليس حضوراً طبيعياً، مشدداً على أن أي حماقة من قبل الأميركيين في الخليج الفارسي ستعرِّض سفنهم وجنودهم الى الغرق والاهانة”، وأميركا تقرأ جيداً صلابة المواقف الإيرانية، لأنه ما من قوة إقليمية ستجتثّ الأميركيين من الشرق مهزومين سوى إيران بالتعاون مع روسيا والأنظمة العربية المتمسِّكة بالحقوق العادلة، وتضحيات حركات المقاومة في لبنان وفلسطين التي كانت وستبقى رأس الحربة في مواجهات النصر…