يوم إقتحام الخضراء..جرعة أوكسجين ضُخت في جثة البعث المتعفنة
شفقنا
على العراقيين ان يقفوا طويلا امام يوم اقتحام الخضراء ، وامام تداعياته وما اثاره من ردود افعال لدى الاصدقاء والاعداء ، حتى يمكن انقاذ ما تبقى من العملية السياسية ، والحيلولة دون انخراط عقد العراق وتشرذم العراقيين.
من المعروف ان مجلس النواب هو مكان اشخاص انتخبهم الشعب العراقي بطريقة حضارية لا تمر حتى باحلام شعوب عربية عديده ، فهولاء لم يعينهم الملك او الامير والدكتاتور ويفرضهم على الشعب بالقوه، فهولاء دخلوا البرلمان باصوات الشعب ولمدة اربعة اعوام ، فاذا ما فشلوا في تحمل المسؤولية ، عندها سيُخرجهم الشعب من تحت قبة البرلمان بطريقة حضارية ايضا ، وهي عدم التصويت لهم ، وليس هناك حاجة لضرب ما تبقى من امن واستقرار في العراق بحجة الاصلاح.
المعروف ايضا ان الوزراء الذين يشكلون الحكومة اختارهم نواب الشعب بعد مداولات طويلة عريضة ومعقدة ، وهؤلاء الوزراء اذا ما فشلوا ايضا في تحمل مسؤوليتهم ، فهناك الية حضارية لتغييرهم ، وهي عبر نواب الشعب بعد ان يستدعونهم ويحاسبونهم على كل صغيرة وكبيرة، واذا لم يقتنع بهم النواب يغادرون منصبهم فورا.
اما رئيس الوزراء ، فهو ايضا يمثل الشعب ، بل يمثل غالبية الشعب لانه يُنتخب من الكتلة التي حصلت على اكبر عدد من اصوات الشعب ، فهو اذن لم يات عبر انقلاب عسكري ليحكم الشعب بالحديد والنار ، ليتوعدوه بالقتل والسحل.
الملفت كل المطالبين بالاصلاح ومحاربة الفساد ، هم من مؤسسي العملية السياسية ومن المشاركين بقوة وبكثافة في جميع مفاصل الحكومة ، لذا كان من الاولى لهؤلاء "المصلحين” الخروج من الحكومة والعمل كمعارضة اما داخل البرلمان او خارجه ، عندها سيصغي لهم الشعب ، على الاقل لعدم تلوثهم بالفساد الحكومي.
ما يؤكد حقيقة ان ما حدث لم يكن عفويا وان هناك جهات تريد جر الغالبية العظمى الى النزاع والاحتراب ، عن علم او جهل ، يمكن الاشارة الى التصريحات التي تناقلتها بعض وسائل الاعلام العراقية لنائبة عراقية ، كانت من ضمن النواب المحتجين في مجلس النواب العراقي ، حيث حملت فيها حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مسؤولية اقتحام انصار التيار الصدري للمنطقة الخضراء ولمقر مجلس النواب واعتدائهم على عدد من النواب غير المحسوبين على تيارهم ، لانه ، كما تقول ، لم يعط الاوامر للقوات الامنية لمهاجمة المتظاهرين ، لذلك وصفت الاقتحام بانه "امر مُدبّر” من قبل العبادي.
لا ادري هل كان من المفترض ان يعطي العبادي اوامره للقوات الامنية باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين لمنعهم من اقتحام المنطقة الخضراء؟، ترى هل سيكون موقف هذه النائبة كما هو الان ؟، ام ستقيم الدنيا ولا تقعدها ضد حكومة العبادي؟ ، وهي بالمناسبة حكومة يشارك فيها وزراء يمثلون المقتحمين وكذلك النائبة التي اشرنا اليها ، الامر الذي يُخرج قضية الاقتحام من العفوية الى مخطط قد اعد له من قبل.
من الواضح ان يوم اقتحام الخضراء ، لم يكن يوما كباقي الايام ، ففي مثل هذا اليوم ، كما اخذت تتكشف بعض الامور وبشكل تدريجي ، شوهد وجود اشخاص معروفين للعراقيين بارتباطهم بالنظام الصدامي البائد ، ومن المطلوبين للعدالة وهم مندسون بين المتظاهرين ، كما تم رفع شعارات ، كانت من الواضح جدا الجهات التي تقف وراءها ، فهذه الجهات ارادت وبشكل علني و واضح شق الصف الشيعي العراقي وتمزيقه ، وبدا ذلك جليا في الفرحة التي عمت السعودية وقطر وايتام النظام الصدامي وعائلة الدكتاتور المقبور في الاردن ، فما جرى يوم اقتحام الخضراء ، كان في جوانب منه تجسيدا للثقافة البعثية التي اعتقد العراقيون انها اندثرت باندثار نظام البعث الفاشي ، ولكن للاسف الشديد ما حصل في ذلك اليوم كشف ان هذا الاعتقاد لم يكن في محله.
اذا ما اراد العراقيون تحصين انفسهم امام ثقافة البعث ، وطي صفحة البعث المجرم والى الابد ، عليهم ان يشيروا وبالاسم الى كل جهة او شخصية مهما علا شأنها ، وقفت وراء هذه النكسة التي حلت بهم يوم السبت الماضي ، والتي كانت بمثابة جرعة اوكسجين ضُخت في جثة البعث المتعفنة ، فالعراق اكبر من هؤلاء ومن الجميع.