حدود المغامرة السعودية بين وهم القدرة وصلابة الواقع
عابد الزريعي
ادلى رياض حجاب بعد اداء دوره الهزلي في مسرحية الاحتجاج التي اداها ما يسمى بوفد الرياض "للمعارضة السورية” في شوارع جنيف وأمام كاميرات الاعلام العالمي. بتصريح صحفي قال فيه : ” لا عودة الى المفاوضات إلا بعد تعديل الوضع على الأرض ". وبعيد عن التوقف عند حالة الضيق واليأس التي باتت تعتري قوى العدوان على سوريا بسبب الانجازات العسكرية المتسارعة للجيش العربي السوري، فان مضمون هذا التصريح يطرح سؤالين :
السؤال الاول : من اين يستمد حجاب الثقة بإمكانية تغيير الوضع على الارض ؟ خاصة وان فلول قوى الارهاب المسلحة تتراجع وبسرعة قياسية امام ضربات الجيش العربي السوري الساحقة.والسؤال الثاني : ما هي حظوظ انعقاد الجولة الثانية من المفاوضات والتي حددت مبدئيا يوم 25 فبراير؟ اذا وضعنا في الاعتبار استحالة تغيير تلك الاوضاع قبل ذلك التاريخ.
الاجابة على هذين السؤالين لم تتأخر كثيرا وان تكن قد جاءت من مصدرين مختلفين. الاجابة الاولى جاءت من الجنرال العسيري الذي تحدث وبوضوح عن استعداد السعودية لإرسال قوات برية الى سوريا.بينما جاءت الاجابة الثانية وبشكل اكثر وضوحا على لسان وزير خارجية سوريا السيد وليد المعلم. والتي تضمنت ثلاثة عناصر. اولها : الاستمرار في محاربة الارهاب على الارض السورية حتى دحره. وثانيها :مواصلة العملية السلمية والتفاوض سواء حضر وفد الرياض او لم يحضر. وثالثها :أي دخول للأرض السورية من غير موافقة حكومتها هو عدوان موصوف. وسيتم اعادة المعتدين الى بلادهم في صناديق خشبية.
يكشف مستوى الاجابة عن السؤالين المطروحين عن حقيقة مفادها ثبات موقف الدولة السورية الذي اكدته منذ بداية الاحداث. وعن تطور قد حدث في موقف قوى العدوان يعود الى ادراكها العميق بأنها قد خسرت الحرب. الامر الذي دفعها للتفكير في تعويض هذه الخسارة عن طريق القيام بمغامرة عدوانية الهدف منها محاولة منع المتغيرات الميدانية من ناحية وإجبار الدولة السورية على التفاوض من موقع ضعف من ناحية ثانية، وإذا سارت الامور كما يريدون فإسقاطها. وعلى ارضية هذه الرؤية يطرح سؤال اخرا مفاده هل يمكن ذلك؟ وهل تستطيع تلك القوى امتطاء حصان التصعيد والذهاب الى الحرب ؟ العقل السياسي الناضج والمحايد يضع امامها اربعة كوابح تتمثل فيما يلي:
أولا : ان الارادة القتالية للجيش العربي السوري الملتحمة بعقيدته العسكرية الوطنية والتي تجسدت عبر مجموعة من الحقائق الميدانية ، وبما احدثته من متغيرات حاسمة على كافة المستويات السياسية والجماهيرية والسياسية باتت تشكل عقبة منيعة وسيفا مسلطا على عنق اية محاولة غبية يمكن ان تقدم عليها قوى العدوان.
ثانيا : ان لسوريا حلفاء متنبهون لمثل هذه المحاولات، وما مبادرة روسيا بالكشف عن الاستعدادات التركية إلا نوعا من التحذير المبطن. ولم تكن زيارة وزير الدفاع السوري الى موسكو ولقاءه مع وزير الدفاع الروسي لتخرج عن الاستعداد لمثل هكذا مغامرات. كما جاءت التصريحات الايرانية المتتالية تعليقا على الاعلان السعودي لتؤكد الموقف الحاسم لمحور المقاومة تجاه هذه المسألة.
ثالثا : ان الاوضاع الداخلية لكل من تركيا والسعودية لا تسمح من الناحية الموضوعية بخوض هكذا مغامرة. فواحدة تخوض حربا داخلية ضد نصف شعبها وكل صحفييها وعالقة في مشاكل مع كل جيرانها. وأخرى غارقة وعالقة في جبال اليمن الشماء وليس امامها من سبيل إلا استئجار العسكر من السودان والاعتماد على مناضلي بلاك ووتر.
رابعا : اذا كانت تلك القوى تراهن على دعم الولايات المتحدة الأمريكية فقد بات من الجلي ان امريكيا تركز بصرها في هذه اللحظة على ما يدور في ليبيا وتحاول اقناع حلفاءها الاوربيين بالتقدم في هذا الاتجاه. وفي مثل هذا الوضع فان دعمها لن يتجاوز إلا المباركة الكلامية او العملية المحدودة بما يجنبها اية نتائج مترتبة. وبما يعنيه ذلك من ان أي تدخل لن يكون إلا جسدا خليجيا سعوديا وتركيا بشكل اساس وبعيد عن أي مشاركة امريكية فاعلة وواضحة.
يبقى السؤال هل يمكن ان تمنع مثل هذه الضوابط والمحددات تلك القوى من ارتكاب الحماقات ؟ المنطق السياسي يقول نعم. ويضع كل ما يصدر عن السعودية وتركيا ومن لف لفهما في سياق محاولة التشويش والإرباك وتأكيد الحضور. ولكن المنطق يقول ايضا ان الحماقة هي حماقة في نهاية المطاف. وغالبا ما تقود صاحبها الذي يريد ان يصنع تاريخا كاذبا مبصقة للتاريخ الحقيقي.