الاعلام والساسة في الغرب شركاء داعش
ما كشفه الرئيس الروسي بوتين في قمة العشرين في انطاليا التركية كان بمثابة الصدمة الكبرى والفضيحة المدوية لبعض المشاركين فيه عندما اعلن صراحة "ان تمويل داعش يأتي من اربعين دولة بما فيها اعضاء في قمة العشرين "موثقا ذلك بالصور والوثائق، ليس بالامر العابر الذي يمكن التكتم عليه خاصة وان رؤساء هذه الدول ظهروا في القمة دون خجل وحياء يتعاطون العهر السياسي بابشع صوره ويعلنون محاربتهم لداعش في الاعلام ويتعاونون معها في الخفاء. هذا الكشف القيم للرئيس بوتين يمهد لشعوب الدول المتورطة في دعم داعش ونخبها ومثقفيها وبشكل عام رأيها العام التحرك لمحاسبة مسؤوليهم عما اقترفوه من اخطاء فاحشة تصل الى حد الجريمة لما فعلته لحد الان داعش ضد شعوب ودول المنطقة، واليوم اصحت هذه المحاسبة مضاعفة للمسؤولين الغربيين لان الذي ساهموا في ايجاده "داعش" الشركة الارهابية العالمية المساهمة دون حدود، بات تندهش بجسد شعوبهم وتفجيرات باريس التي سمتها داعش "غزوة باريس المباركة ليست الاولى ولا الاخيرة في اوروبا وجميع الدول المساهمة في هذه الشركة ودليل ذلك ان السلطات البريطانية تبحث عن 400 داعشي ذهبوا الى سوريا وعادوا اليوم الى البلاد وهكذا دواليك في الدول الاخرى المتورطة في سوريا.
ومع استنكارنا وادانتنا الشديدة لهذه العمليات الارهابية واللاانسانية وتعاطفنا الكبير مع عوائل الضحايا مهما كانت دياناتهم وقومياتهم، اردنا تسليط الاضواء على حقيقة ربما كانت مستورة لقوة الدعاية التي تمارسها هذه الدول على انها "دول كبرى" واذا بليلة وضحاها وبعد سبعة انفجارات لا اكثر واذا باحدى هذه الدول تقفل ابوابها وحدودها وتعطل البلد وتحول باريس الى ثكنة عسكرية.
ورغم مرور عدة ايام على حادث التفجيرات الارهابية وان تجددت الاشتباكات بالامس مع بعض الارهابيين الذين لازالوا مختفين، لم تستعيد فرنسا بعد عافيتها ولازال الناس يلازمون بيوتهم وهذا يثبت كم يكون هذا البلد هشا لدرجة يطلب من دمشق المساعدة لتخطي هذه المرحلة لكن الرئيس الاسد يوافق على ذلك بشروط ان تصدق باريس في محاربتها للارهاب عمليا. ولابد من مقارنة ذلك بما يحدث وحدث طيلة السنوات السابقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن لدرجة كان العراق يشهد يوميا اكثر من عشرين عملية ارهابية.
هذا على الصعيد الحكومي الرسمي والمسؤولين الذي يملكون العدة والعدد ويتباهون بامتلاكهم للقنابل الذرية وانهم في عداد "القوى العظمى" ولابد للاخرين ان ينصاعوا لسطوتهم وقدرتهم واذا برئيسها الذي يريد ان يصبح نابليون العصر يخرج على الاعلام بعد الانفجارات مرتبكا مرتعدا لا يتمالك نفسه ليعلن بان فرنسا في حالة حرب!! اما انعكاسات ذلك على الصعيد الشعبي سواء في فرنسا وغيرها من الدول الاوروبية فكان مأساويا حيث سادت حالة من الرعب والكابوس الشديدين باريس والمدن الفرنسية وهذه الامور تدفع الشعب الفرنسي مساءلة الرئيس هولاند وحكومته عن خلق هذه المأساة وارعاب الناس وحجزهم في بيوتهم وهذه الامور تستدعي مصارحة مكشوفة بين الجانبين لما حدث وتحديد المسؤوليات فيها خاصة وان الحكومة الفرنسية ورئيسها لهما باعان طويلان في نشر الارهاب وتمدده في سوريا والمنطقة وهذا ليس بخاف على احد. لكن ان تنقلب الدنيا حين يصل الارهاب الذي هم غذوه ودعموه الى ديارهم ولايكترثون لما تزهق الآف من الارواح في بلاد اخرى فهي الطامة الكبرى والتمييز الانساني المقيت.
ان الواقع المزري التي تعيشه فرنسا واخواتها تدعو لاعتراف المسؤولين باخطائهم الجسيمة لتعديل سياستهم وهذا ما بدأ يلوح في الافق حين تعلن باريس تقربها لموسكو في محاربة الارهاب.
دخول موسكو على خط الازمة السورية في محاربتها للارهاب كأمر واقع وبشكل جذري وتعاملها مع هذه الظاهرة الدموية فضح الغرب وفي المقدمة اميركا وعراها على حقيقتها بانها تعمل على احتواء داعش وليس القضاء عليها كما تفعل اليوم روسيا في سوريا والخط مفتوح باتجاه العراق ولبنان ومن يطلب الدعم منها.
المشكلة الاساسية التي لم تدفع باميركا بعد بان تبدل اقوالها الى افعال لمواجهة "داعش" الشركة العالمية المساهمة التي اشرفت على ايجادها مع دول المنطقة والتي اكثر قادتها من ضباط البعث الصدامي الذين لا يؤمنون بأي دين بانها لم تنه بعد مهمتها حتى ولو غرقت اوروبا بالدماء ومثال باريس شاهد حي على ذلك والامر الاخر بان النيران لم تصل بعد الى اميركا مع ان وسائل الاعلام الاميركية والغربية الذين حجبوا الحقائق عن شعوبهم لفترة من الزمن حول ماهية النظام السعودي الدموي وتبنيه للفكر الوهابي الضال الذي اوجد "داعش" هذا الوليد اللاشرعي السفاح، اضطر اليوم ان يتحدث عن الوهابية التي هي سبب كل هذه المأساة في العالم لكن هذا لايعفيها عن ممارساتها السابقة وما نريد قوله في نهاية المطاف ان الاعلام والمسؤولين في الغرب واميركا خانوا شعوبهم في هذا المجال من ما ستضطر هذه الشعوب التحرك لاستعادة قرارها وارادتها المفقودة اللتان بيعت في صفقات السلاح مع اكثر الانظمة فسادا واستبدادا وقمعا وتخلفا في المنطقة.