نصرالله والنصر الثالث!
أمين أبوراشد
قبل إطلالة يوم السبت الماضي، للحديث عن القلمون بشكلٍ خاص، توقَّعت بعض وسائل الإعلام، أن يُعلن سماحة السيد حسن نصرالله تحقيق الإنتصار الناجز في القلمون، ربما لأنها لا تمتلك المعطيات الميدانية الكافية عن جغرافية التلال، وأن ملاحقة فلول الإرهابيين ومنعهم من التسلُّل الى جرود لبنانية وتحديداً جرود عرسال هي عملية فائقة الدقَّة وتؤجل إعلان النصر الكامل، وسماحته كما كان دقيقاً بالإعلان عن أهداف المقاومة في القلمون، فهو حريصٌ على عدم الإعلان عن الإنتصار الناجز إلَّا عندما تغدو كافة القرى اللبنانية في البقاع ومن ضمنها عرسال بمنأى عن نيران وأخطار وتسلُّل الإرهاب، خاصة أن ليلة أمس الإثنين بالذات صدَّ الجيش اللبناني محاولة تسلُّلٍ الى عرسال.
لكن اللبنانيين الذين اعتادوا على أدبيات خطاب السيِّد حتى مع الخصوم، رصدوا نوعاً من عَتَب على البعض بين سطور خطابه من جهة، وقراراً حازماً بالتحرير من جهة أخرى، سيما وأنه هو الذي أهدى نصری أيار 2000 وتموز 2006 الى العالمين العربي والإسلامي وإلى لبنان، كل لبنان، بشكلٍ خاص، ووجَد نفسه - من منطلق شفافيته المُذهلة - قبل عملية القلمون وخلالها، أن يحدِّد الأهداف بدقَّة، وأن يعرِّف بعض السياسيين اللبنانيين بجغرافية بلدهم، لأن 100 كلم مربع من أصل 300 كلم تمَّ تحريرها من الإرهابيين في القلمون هي أراضٍ لبنانية، ورسَّمت المقاومة بدماء شهدائها الحدود مع سوريا خلال عملية التحرير، وهذا الترسيم هو مطلب من يدَّعون السيادة ويضع حدّاً ولو بشكلٍ غير رسمي لتداخل الحدود بين البلدين، ومسألة الترسيم النهائي هي مسؤولية الدولة لاحقاً، ورغم نُبل وسموّ الأهداف في حرب تحرير حقيقية تخوضها المقاومة، بقيت نفس السهام التي صُوِّبت على ظهور رجال المقاومة عامي 2000 و2006 هي نفسها مع مزيدٍ من العزم مواكبةً لأجواء "عاصفة الحزم”!!!
وإن سماحة السيِّد عندما يجد نفسه مضطراً في بداية كلمته طمأنة القَلِقين على وضعه الصحِّي، وأنه والحمدلله بخير ولا يتناول أية أدوية، ويشرح عن فوائد الليموناضة في ترطيب الفمّ، فإن السيِّد يُدرك أن عامة الناس من اللبنانيين ومن مختلف المناطق يُدركون، بأنه لولا "شاربي الليموناضة” من ثمار أرض لبنان، لما بقيت لنا أرضٌ ولا بقي لبنان، وليكفّ من مرَّ عليهم الزمن في التمثيل الشعبي إبتداع شروخٍ بين الشعب اللبناني من كافة طوائفه وبين المقاومة، أو بين المقاومة والجيش، ولعلّ إطلالة إبن دير الأحمر النائب إميل رحمة في مؤتمرٍ صحفي في بلدته ومن بين أهلها، الذين يعترفون بفضل المقاومة في دحر الإرهاب عن محيطهم، هذه الإطلالة هي خير نموذج عن النبض الشعبي الذي يعلو على كل انقسامات وحزبيَّات باتت تفاصيل أمام الإستحقاقات الكبرى التي تحملها المقاومة على كاهلها لحماية الشعب اللبناني وأبناء قرى الأطراف بشكلٍ خاص.
وعندما لفت سماحة السيِّد الى حجم التهويل والتهديد الذي عاشه اللبنانيون قبل بدء معركة القلمون، فإن هذه "المعركة جاءت لتحقيق هدف مُحِقَّ، وأن المحاولات السفيهة للإيقاع بين حزب الله والجيش لم ولن تنجح، لأن المقاومة حريصة على دماء كل ضابط وعسكري، وعلى المُفتِنين الجلوس على جنب”، خاصة أن دوراً مشبوهاً كان للبعض منهم وقد يتطرَّق إليه السيِّد لاحقاً كما قال، و”إذا كانت الدولة تتسامح باحتلال أراضٍ لبنانية فان الشعب اللبناني بجميع أطيافه لن يتسامح لأنه لا يقبل بالإحتلال”.
ولمن ما زالوا يكرِّرون معزوفة ذهاب حزب الله الى سوريا، فالجواب أن لبنان ليس أمام خطر مواجهة جيش نظامي ولا حتى حرب عصابات بالمعنى التقليدي، بل أمام مجموعات لا تعترف بحدود، ولا تتقدَّمها جرافات لفتح الطرقات بل سيارات تحمل إنتحاريين مهلوسين، واجتياح محافظة الأنبار في العراق تمّ خلال أسابيع، علماً بأن مساحتها تبلغ 138500 كلم مربع، أي ثلاثة عشر مرة مساحة لبنان، وهذا الإجتياح هو نموذجٌ عن الخطر الذي كان يُحدِق بلبنان لو انتصر الإرهابيون في القصير أو حمص أو القلمون لا سمح الله، سيما وأنهم يُرسلون تهديداتهم سلفاً الى القرى اللبنانية في بعلبك- الهرمل سواء كانت هذه القرى إسلامية أو مسيحية.
وحيث أن سماحة السيِّد نصرالله في الشقّ السياسي الداخلي، نَصَح في إطلالته الخصوم السياسيين مناقشة ما طَرَحه العماد ميشال عون لتحريك عجلة القضايا الخلافية العالقة، مع ما تضمنته طروحات العماد عون من وقوف على رأي الشعب، فإن للشعب مطلبه من المقاومة على هامش ما رافق معركة القلمون من تشويشٍ على المقاومة، بأن لا يكون السياسيون وسيطاً بينها وبين الشعب بعد الآن، خاصة الشرائح التي تسكن قرى الأطراف وكادت تكون فريسة للتنكيل والتهجير والذبح لولا هبَّة المقاومة في اللحظة الحاسمة، وأن يُهدى النصرُ الثالث بإذن الله من السيد نصرالله الى الشعب بكافة فئاته، وكفى منتحلي الصفة مصادرة رأي الناس، لأن الوعي الشعبي اللبناني للمخاطر على الكيان قد نضُج أكثر فأكثر منذ بداية "ربيع العرب”، وأية انتخابات مُقبلة ستفرز صناديقها إرادة الشعب اللبناني وتمسُّكه بقدسية هذه المقاومة والسلام...