ماذا لو لم تُسقط المقاومة 17 أيار؟
زهراء جوني
كان يمكن لشهر أيار في الرزنامة اللبنانية أن يجعل من إسرائيل واقعاً على الأراضي اللبنانية. وكان يمكن للسابع عشر من أيار أن يثبت معادلة الهزيمة والاستسلام، ويختصر التاريخ بذكرى توقيع أول عمالة مع الكيان الإسرائيلي والعيش تحت حكم الاحتلال. كان يمكن لهذا المشهد أن يرسم بكل تفاصيله، لولا المقاومة.
منذ أكثر من ثلاثين عاماً أراد لبنان بحكومته أن يوقع على قرار أسماه "سلاماً" مع إسرائيل، مسقطاً حروف العدو التي تجعل من أي قرار معه "استسلاماً" بعيداً عن أي سلام أو حرية. قرار واحد كان يمكن أن يجعل لبنان تحت الوصاية الإسرائيلية، وأن يفتح الطريق أمام الكيان الغاصب ليرسم حدوده الجديدة على امتداد لبنان وفلسطين. كان يمكن أن يحقق الحلم الذي بدأته إسرائيل من كامب دايفيد وأرادت استكماله في لبنان بتسوية الوجود الإسرائيلي في المنطقة، لولا المقاومة.
من المهم أن نتذكر ما فعلته الحكومة اللبنانية في عهد الرئيس أمين الجميل عام ١٩٨٣ لتوقع اتفاقية مع الكيان الإسرائيلي، وكيف دار التفاوض بين خلدة وكريات شمونة لخمسة أشهر، سبقه تواصل بين قيادات إسرائيلية في مقدمها ارئيل شارون وزير الحرب في تلك المرحلة وعملاء في الداخل اللبناني وجدوا في كيان العدو سنداً لهم وقوة لوجودهم، فمهدوا الطريق لولادة الاتفاق المذل.
من المهم أن نتذكر لنسأل أنفسنا: ماذا لو لم يتم إسقاط إتفاقية السابع عشر من أيار؟
سيناريوهات كثيرة ترسم للبنان المحكوم من إسرائيل. والصور كثيرة لهذا الوطن الذي شهد احتلالاً واجتياحاً وحروباً اسرائيلية على امتداد المدن والقرى اللبنانية، لكن صور الانتصارات والبطولات أضحت اليوم أكثر بكثير، بفعل المقاومة.
ماذا لو لم تسقط المقاومة 17 أيار؟
"لو استمر اتفاق السابع عشر من أيار لعامين، لكانت إسرائيل باتت هي الحاكم في لبنان، واستولت على السلطة والوطن". هكذا يختصر الوزير السابق كريم بقرادوني مشهد لبنان في ظل الاتفاقية، مؤكداً أن ذلك التاريخ كان سيكون بداية الطريقة لإقرار مشروع إسرائيل الكبرى، وأن الخطر كان سيمتد مع توسع الاحتلال.
يتذكر بقرادوني تلك المرحلة، مثنياً على دور المقاومة، ولافتاً إلى أن الحرب التي قادتها في لبنان وفلسطين باتت تدرس في المعاهد الدولية.
يقول الوزير السابق كريم بقرادوني "للعهد": "بوجود المقاومة لن نشهد ١٧ أيار جديداً"، مؤكداً أن من يحمي لبنان من اجتياح اسرائيلي جديد هو وجود المقاومة.
هذه الخلاصة يؤكدها رئيس حركة الشعب نجاح واكيم، النائب الذي وقف أمام مجلس النواب ليعترض على الاتفاق ذلك اليوم، وليسجل مع النائب زاهر الخطيب موقفاً من التاريخ، في الوقت الذي كان مجلس النواب يرضخ بأغلبية أعضائه للإرادة السياسية للاتفاق.
بكلمتين عبر واكيم عن سيناريو الحياة لاتفاقية السابع عشر من أيار: لولا المقاومة لما سقط الاتفاق، ولأصبح وجود إسرائيل أمراً واقعاً في لبنان.
يؤكد النائب السابق أن هذا الاتفاق لم يأت من فراغ، أريد للبنان أن يكون المحطة الثانية بعد مصر ليستقر فيه قطار الاتفاقيات الذي يكرس وجود إسرائيل في المنطقة، لكن إرادة المقاومة كانت أقوى، فانتصرت.
من المهم أن نتذكر، لنشعر بقيمة الحرية أكثر، الحرية التي قدمتها المقاومة بدم شهيدها محمد نجدي، يوم خرجت من أمام مسجد الإمام الرضا (ع) في الضاحية الجنوبية، لتعلن إسقاط قرار يشرع الاحتلال.
كان يجب أن يولد فعل المقاومة ليتجسد معنى الانتصار، وكان لا بد من وجود المقاومة كي لا يتكرر السابع عشر من أيار في تاريخ لبنان.
من المهم أن نتذكر، لنحكي بفخر عن يوم آخر من شهر أيار، محا زمن الخضوع والاستسلام للكيان الإسرائيلي، وسجل تاريخاً من ذهب بفعل الجيش والشعب والمقاومة، وأنهى معادلة العدو الذي لا يقهر.
الخامس والعشرون من أيار عام ٢٠٠٠، تاريخ الانتصار الذي عاد ليسقط اتفاقية العار من جديد، وليعطي لبنان كامل الحرية، لأن المساومة على جزء من الحرية في أي اتفاق هو تخل عن الجزء الاخر منها. هذه الحرية التي كان يكتب لها الموت في اتفاقية السابع عشر من أيار، كانت ستختنق لولا المقاومة.