اوروبا الخائفة من الإرهاب بدأت تغير سياساتها
سركيس ابو زيد
ما زالت أوروبا تعيش حالة إرباك منذ حادثة "شارلي ايبدو” بالرغم من القبض على مرتكبيها الأخوين كواشي، واللذين اعترفا بأنهما كانا يعملان بوحي من "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، فيما أكد أحمدي كوليبالي الذي ارتكب عملية المتجر اليهودي بداية كانون الثاني الماضي، أنه كان على علاقة بتنظيم "داعش ".
هذه الأعمال الإرهابية عبر عنها رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بقوله: "الأعمال التي تنم عن العنصرية ومعاداة السامية وكره العرب والأجانب تزداد في بلدنا بشكل لا يطاق”. وأضاف أن "الفرنسيين اليهود لا يجب أن يشعروا من الآن فصاعدا بالخوف، والفرنسيون المسلمون يجب ألا يخجلوا من كونهم مسلمين”.
رافق ذلك إعلان وزير الداخلية الفرنسية برنار كازنوف أن الشرطة الفرنسية أفشلت محاولة وقوع عمل ارهابي ضد كنيسة أو كنيستين، وتم إلقاء القبض على الإرهابي الذي تكتمت عنه في البداية لكن سرعان ما تسربت معلومات بأن اسمه "سيد أحمد غلام” وهو طالب في قسم المعلوماتية، ويقيم في مدينة جامعية شرق باريس. حيث عثرت الأجهزة الأمنية داخل شقته على أسلحة حربية إضافية، وعلى تجهيزات ووثائق في حاسوبه الشخصي.
وفي تصريح وزير الداخلية الفرنسي كازنوف عن هذه العملية قال إن "الوثائق التي عثر عليها في شقة "غلام” تفيد بأنه كان ينوي ارتكاب اعتداء ضد أماكن عبادة مسيحية”. وبذلك يكون هذا المخطط هو الأول من نوعه في فرنسا، على اعتبار أن أماكن العبادة التي كان يجري تهدديها في السابق إما يهودية أو إسلامية. وقد حمل هذا الأمر النائب فيليب مونيه على القول: "إن الحكومة تحمي المساجد، وحان الوقت لتضمن حماية الكنائس”.
هذه العملية كانت سبباً وجيهاً للحكومة الفرنسية في إقناع النواب وأعضاء مجلس الشيوخ المترددين إلى الإسراع في إقرار قانون توسيع صلاحيات قوى الأمن الفرنسي حتى يستطيع قادراً على فرض رقابة مشددة على شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال والتواصل الإلكتروني. في الوقت ذاته ترى الحكومة الفرنسية أنها بحاجة الى محاربة العنصرية وكره الإسلام ومعاداة السامية.
فارتفاع الأعمال والمظاهرات وظهور الجمعيات في أوروبا المعادية للإسلام منذ بداية العام، أدت إلى شعور حكومات أوروبا بالقلق لأن هذا من شأنه أن يرفع حالات التوتر في الجو العام الغربي، ويعمل على انتشار أفكار اليمين المتطرف المتمثل بالجبهة التي يرأسها مارتن لوبن.
وبالتزامن مع أحداث باريس، أعلنت الشرطة الإيطالية أنها عمدت الى اتخاذ إجراءات واسعة لمكافحة الإرهاب على أراضيها ضد من أسمتهم نهج "القاعدة” الذين يسعون إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضد حكومة باكستان والقوات الأمريكية المتواجدة على أراضيها. حيث تم القبض على 18 شخصا في جزيرة سردينيا الإيطالية وما زال بعضهم قيد التحقيق حيث يشتبه ارتباطهم بتفجيرات بباكستان.
ويعتبر خبراء أن البؤرة "الجهادية” الجديدة التي تتنامى في ليبيا عند أبواب أوروبا تغذي أسوأ المخاوف في القارة القديمة، وقال دبلوماسي ليبي في أوروبا "أن ليبيا تشكل النقطة الجغرافية الأقرب من أوروبا حيث ظهرت حركات "جهادية”، ونقطة العبور الرئيسية للهجرة السرية”.
في المقابل أعلنت المفوضة الأوروبية للعدل فيرا جوروفا في مقابلة مع صحيفة لو فيغارو الفرنسية: "أن "الجهاديين” الذين توجهوا للقتال في سوريا يقدرون بـ 1450 فرنسياً بين "الجهاديين” من أصل 5000-6000 متطوع أوروبي”.
في السياق ذاته كشفت صحيفة "الغارديان” البريطانية أن : ""جهاديين” غالبيتهم من المتعاطفين مع تنظيم "القاعدة” يخططون للانضمام إلى المعركة التي وصفتها بـ”الحاسمة” ضد نظام الأسد، وأن هناك ما لا يقل عن 4 مجموعات بينهم لواء ليبي يعمل خارج إدارة "الجيش الحر” ويقوم بمحاربة قوات النظام وأبرز هذه المجموعات "جبهة النصرة” و”أحرار الشام”".
في حين كشفت السلطات الفرنسية أن أكثر من 3000 فرنسي هم في طريقهم نحو الأصولية "الجهادية” بينهم 25 %من القاصرين و 35 % من النساء، و 40 % من الذين اعتنقوا الإسلام.
وتقدر إحصاءات فرنسية رسمية، أن قرابة الـ930 فرنسيا هم أعضاء ضالعون في شبكات تهريب "جهاديين” إلى سوريا والعراق، بينهم 350 في فرنسا، و180 توجهوا إلى سوريا، و170 مروا عبر الترانزيت في طريقهم إلى الشرق الأوسط، و230 لديهم ميل للسفر.
لذا رأى السكرتير العام للجنة الوزراية لمحاربة الانحراف أنه لا بد من وضع خطة وقائية هدفها تحديد ومتابعة الأشخاص المرشحين للانزلاق نحو الأصولية ومنعهم من التورط في أعمال إرهابية...
وكأن هذه المشاكل لا تكفي الأوربيين ليزاد عليها مشكلة المهاجرين الغير شرعيين، ففي شهر نيسان خلال عشرة أيام (12-22)، غرق في البحر المتوسط وعلى ثلاث دفعات اكثر من ألف مهاجر غير شرعي، بعد غرق مراكبهم. وتم إنقاذ نحو 8 آلاف مهاجر.
ومما يزيد هذه الظاهرة تفاقماً، الفوضى العارمة التي تسود الشواطئ الليبية، ما دفع الاتحاد الاوروبي إلى عقد قمة طارئة في بروكسل خصصت لمناقشة الهجرة غير الشرعية، حيث أكد بيانها الختامي: "على ضرورة تأمين الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد كل ما يمكن من أجل رصد ومصادرة وتدمير الزوارق قبل أن يستخدمها مهربون”، وأنه "ينبغي تنظيم عملية عسكرية في ليبيا”، لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وأشار دبلوماسيون وخبراء إلى أن هذا الأمر "معقد وسيستغرق وقتا، وسيتطلب تفويضا من الأمم المتحدة وموافقة الحكومة الليبية، فيما ستلزم تعبئة الموارد العسكرية وقبول خسائر في الأرواح”.
وأعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنه في سبيل إيجاد حل لمسألة المهاجرين غير الشرعيين عبر المتوسط "يجب إصلاح أخطاء الماضي في ليبيا”، في إشارة إلى سياسة سلفه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. وتابع أيضاً بالقول أنه "إذا ظل العالم غير آبه لما يجري في ليبيا، فإننا حتى ولو وضعنا خططاً للمزيد من الرقابة والوجود في المتوسط والتعاون ومكافحة الإرهابيين، سيبقى السبب الكارثي هو أن هذه الدولة لا قيادة فيها، وتعيش في الفوضى”.
وكشفت وثيقة أوروبية مسربة أن الاتحاد يدرس إرسال سفن حربية إلى الساحل الليبي للتصدي لمهربي النفط والسلاح، لكنه يخشى أن تشجع هذه الخطوة على خروج مزيد من المهاجرين الى البحر بأمل أن تنقذهم هذه السفن، وتنقلهم إلى أوروبا.
وعبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أملها في أن "يتم وضع خطة عمل أو خارطة طريق خلال الأيام المقبلة للخطوة التي يجب اتباعها”، مؤكدة أنه "لدينا الكثير مما يجب أن نقوم به ".
اوروبا في حالة ارباك وخوف واستنفار لمواجهة عمليات إرهابية متوقعة، لذلك بدأت تلجأ الى إجراءات امنية متشددة على أراضيها، كما بدأت بخطوات عملية لتغيير سياساتها في المنطقة العربية خاصة في ليبيا وسوريا.