kayhan.ir

رمز الخبر: 18131
تأريخ النشر : 2015April22 - 21:04

محور المقاومة يواجه الفيدرالية

سركيس ابو زيد

تتصاعد التوترات السياسية والميدانية في منطقة الشرق الأوسط التي اشتعلت أغلب دولها بحروب ستفضي بالنهاية الى رسم حدود جديدة وكأن لعنة اتفاقية سايكوس-بيكو تعود من جديد على هذا المشرق الغني بموارده الطبيعة والمعدنية والبشرية والتي تجعلة عرضة لأطماع الدول الكبرى التي ترغب في الحصول على نصيبها منه.

أزمة اليمن أعادت إلى الواجهة العلاقات السعودية - الايرانية التي بدت أكثر توتراً من أي وقت مضى، وعلى ما يبدو فهي متجهة الى مزيد من التصعيد حيث حولت أزمة اليمن الى نزاع إقليمي بينهما . عاصفة الحزم التي أطلقتها السعودية وقادتها شكلت أول خطوة هجومية باتجاه إيران في ظل توازن إقليمي جديد، قابله رد حازم من قبل ايران تمثل في مهاجمة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية لله خامنئي للسعودية اذ قال:” إن أنفها سيمرغ في التراب، ورأى أن الرياض "أخطأت باعتدائها على اليمن”، مضيفاً أن المملكة أسست ل”بدعة سيئة في المنطقة”.

يضاف إلى هذا الموقف الرسمي تظاهرات شبه يومية أمام السفارة السعودية في طهران، هذه التظاهرات - التي جرت على خلفية توقيف رجلين إيرانيين في مطار جده والتحرش جنسيا بهما من شرطيين سعوديين - أرفقت بقرار وقف الطائرات الإيرانية الى السعودية ورحلات العمرة الدينية.

هذه العدائية السعودية حملت أبعاداً ومؤشرات تعني الساحة اللبنانية. بينما المهم بالنسبة الى طهران هو ما يحدث ميدانياً في اليمن وسوريا، لأن من سيفوز هو الذي يتحكم بالأمور والأوضاع ويحدد مسارها، في حين تقوم السعودية بالتصرف على خلفية أنهم لن يتوقفوا عند هذا الحد، بل سيعملون على كسر المشروع الإيراني في المنطقة الذي توقف عند حدود عدن على حد زعمهم.

أضف إلى ذلك إمكانية تمدد "عاصفة الحزم” باتجاه سوريا وبضوء أخضر من الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يلعب لعبة يختلط فيها "التشجيع مع التوريط”... فهو يعمل على حض زعماء دول المنطقة الى تحمل مسؤولية أمنهم ويبدو كأنه يفتح الطريق أمام تدخل عسكري عربي في سوريا.

فعندما يلوم أوباما العرب في الأزمة السورية فإنه كمن يقول لإيران إن المعركة الحقيقية في سوريا وعليها. فإن إيران تدعم سوريا لتحصين العراق وتدعم لبنان وحزب لله لتحصين سوريا ولا تكمن أهمية سوريا بالنسبة لطهران في كونها متاخمة للعراق أو خط إمداد وتواصل مع حزب لله، وإنما في كونها أيضا متاخمة ل”إسرائيل”. وهكذا أصبحت الساحات متشابكة وتستلزم استراتجية متكاملة .

لكل ذلك ، الاتجاه نحو المواجهة السياسية في لبنان اصبح مفتوحا ، وتيار المستقبل قرر الانخراط كليا في حملة الدفاع عن السعودية . بينما في الجبهات الأخرى تتفاوت السخونة والمشاركة والتورط .

مع بدء "عاصفة الحزم” بقيادة السعودية، اعتبرت باكستان واحدة من أعضاء التحالف الجديد الى جانب تركيا، كدولتين إقليميتين إسلاميتين غير عربيتين، وقد جاء ذلك في إعلان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف وقوف بلاده الى جانب السعودية متعهدا الرد بقوة على أي عدوان يستهدف سيادة أراضيها. موقفه هذا كان نابعاً من رد الجميل للسعودية بعدما أنقذته من حكم الإعدام الذي أصدره بحقه الحاكم العسكري الجنرال برويز مشرف واستقبلته كلاجئ سياسي على أرضها لسنوات، لكنه في الوقت نفسه كان واضحا أيضا في عدم الاستعداد للدخول في الحرب. وهذا القرار صدر رسمياً من البرلمان الباكستاني الذي أصدر بالإجماع قرارا يحث الحكومة على التزام الحياد في الأزمة اليمنية. على أمل ان تقوم بدور سياسي دبلوماسي لإنهاء الأزمة اليمنية.

لكن هذا الموقف لباكستان لم تقبله السعودية وقوبل بعدم ارتياح وعدم رضى، فمن الواضح أن اسلام آباد تسعى الى نوع من التوازن الدقيق في علاقتها مع الرياض كونها تقيم علاقات جيدة مع طهران التي هي جارة لباكستان و لها حدود مشتركة معها. ويقول عريف رفيق وهو باحث اميركي باكستاني الأصل: "إذا بدأت طهران تنظر الى باكستان على أنها عدو ناشط، يمكنها أن تتسبب لها بمتاعب عبر الحدود لن يقوى شريف على مواجهتها”.

فباكستان في موقف محرج للغاية، لكن في الوقت نفسه تتذرع بأسباب تدفعها لاختيار أداء دور ديبلوماسي وعسكري في تحالف الدول الذي تقوده السعودية، حيث يرى محللون باكستانيون سياسيون أن الجيش الباكستاني معني بدعم السعودية حيث يتجاوز مسألة الدفاع عن الحدود الجغرافية الى دفاع موسع عن الحدود الايديولوجية للاسلام.

في حين يرجح أخرون ان تدخل باكستان في الحرب سيقتصر على إرسال مستشارين عسكريين باكستانيين لتوفير المساعدة والمعلومات لنظرائهم السعوديين. وقد تنشر باكستان بعض كتائب سلاح الجو أو البحرية للمساعدة في العمليات ضد الحوثيين، علماً أن لباكستان وجوداً في خليج عدن من خلال مشاركتها في العمليات ضد القرصنة.

وبالمجمل فإن الصراع في منطقة الشرق الأوسط أخذ أوجهاً عديدة منها ضد الإرهاب دفع به ظهور تنظيم "داعش” وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، ومنها صراع مصالح ونفوذ دفع به الصراع في اليمن.

الحرب أصبحت معلنة ومفتوحة وليس لها أي جدول زمني لنهايتها، فهناك عملية إعادة رسم حدود تحدث لدول الشرق الأوسط الذي يخوض مخاضاً صعباً وعسيراً، سيتولد عنه سايكوس-بيكو جديد وبدول وحدود جديدة، تدفع به الى القبول بالفدرالية كحل وحيد وأخير، فالعراق يرتسم على الأرض على أساس ثلاثة أقاليم كبرى ضمن "عراق فدرالي موحد” الإقليم الشيعي في الجنوب والإقليم السني في الوسط والإقليم الكردي في الشمال.

ليبيا التي تتجه الى حل فدرالي أيضا تنطلق شرارته من بنغازي وسيكون المخرج الوحيد لواقع فوضوي مبعثر.

وأما سوريا التي ما زالت تواجه التحديات فهي بانتظار نتائج معركة العراق ومصير "داعش”، وفي ظل انعدام فرص الحل السياسي والحسم العسكري، سيكون الحل الفدرالي هو الأرجح حيث بدأت ترتسم معالم مناطق الامر الواقع التي ترسمها خطوط النار والتماس والتوازنات...

واليمن الذي تحولت أزمته الداخلية الى نزاع إقليمي بامتياز ويدور الصراع فيه حول السلطة والمال والنفط والمنافذ البحرية، لن يستكين إلا على أساس نظام جديد يكرس الواقع على الأرض ويقوم على أقاليم تراعي الاعتبارات والمصالح القبلية والدينية والجهوية(شمال، جنوب)

هذا الواقع التقسيمي تحاول جبهة الأطلسي والصهيونية والرجعية العربية فرضه كحل وحيد أمام شعوب المنطقة بينما جبهة المقاومة والممانعة ما زالت تواجه على عدة جبهات من أجل تغيير موازين القوى وإنقاذ مستقبل المنطقة .