معركة العراق.. حسم استراتيجي بسواعد الابناء
جهاد حيدر
شكل تحرير مدينة تكريت محطة فاصلة في معركة تحرير العراق ليس فقط لأسباب جغرافية وعسكرية، وإنما لكونها كانت محطة كشفت فشل الرهان على "داعش” في إخضاع العراق وابتزازه، وأثبتت مرة أخرى قدرة العراقيين على تحرير بلدهم من دون حاجة إلى الأميركي.
من الناحية الجغرافية، يأتي تحرير مدينة تكريت وباقي محافظة صلاح الدين جزءاً من معركة التحرير التي يخوضها الشعب العراقي من خلال فصائله المجاهدة، إلى جانب قواته النظامية الأخرى، للمناطق التي سيطرت عليةا "داعش”، لكن ما يضفي عليةا قيمة إضافية، أنها تحتل موقعا استراتيجيا، كونها تحد محافظات نينوى وكركوك وديالى والأنبار وبغداد.
علية، فإن تحرير محافظة صلاح الدين يشكل ضربة قاصمة لأي مخطط تفكيكي وتقسيمي للعراق، فبدون السيطرة عليةا من قبل "داعش” ومن يلف لفها يستحيل تقسيم العراق، ومن هنا فإن تحريرها كان ضروريا لإبعاد شبح مخطط تقسيم العراق وهو ما يؤشر إلى أن تحرير ما تبقى من أراض عراقية ليس سوى مسألة وقت وقرار بأيدي العراقيين.
أما من الناحية السياسية، فإنه بدا للوهلة الاولى كما لو أن الأميركي نجح في قلب الطاولة، بالتواطؤ مع أنظمة الخليج، عندما قرر المشاركة من الجو في عملية تحرير تكريت. وهدفت هذه المحاولة إلى سرقة انتصار العراقيين لأن الأميركي يدرك أن استكمال تحرير محافظة صلاح الدين، عبر تحرير تكريت، سيقدم قوات الحشد الشعبي على أنهم هم من يحررون العراق فعلا. لكن الذي حصل أنه عندما تبلغت هذه القوات من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قرار مشاركة الأميركيين في الهجوم، حزمت أمرها سريعاً وقررت سحب قواتها عن تخوم تكريت.
هذه الخطوة الحازمة والحكيمة أربكت الأميركي، إذ سرعان ما تبين أن تحرير تكريت لن يتم من دون قوات الحشد. الأمر الذي سوف يحرج الأميركيين وتتحول الفرصة التي كانوا يحاولون اقتناصها إلى تهديد لمنطقهم السياسي والعملاني، عبر إظهار عجزهم أو تآمرهم. انطلاقا من أن تحرير تكريت بات في ظل تراجع قوات الحشد الشعبي مستبعداً.
وهكذا سقط المخطط الأميركي سريعا أمام العزم الذي أظهرته قوات الحشد الشعبي، الأمر الذي أدى إلى تراجع الأميركيين وعودة قوات الحشد وتحرير تكريت.
ومن أهم مفاعلات هذه الخطوة:
أنها أكدت استغناء العراقيين عن الأميركيين في تحرير بلادهم. وعززت النهج التحريري المستقل عن الإرادة الأميركية، مع العلم أنه منذ بدء معركة تحرير المناطق التي احتلتها "داعش”، كان هناك سجال بين رؤيتين في الساحة العراقية. الأولى تحاول الترويج لمقولة أن الأميركي هو المنقذ الوحيد القادر على دحر خطر "داعش” عن العراق والعراقيين، مع ما يترتب على ذلك من نتائج سياسية.
في المقابل، عمدت فصائل الحشد الشعبي منذ اللحظات الأولى على رفع شعارات مضادة للمقولة الأولى، وقرنتها بخيارات عملانية. اذ ابلغت الأميركي عبر القيادة السياسية العراقية الرسمية بأن لا يقترب ولا يشارك في أي عملية تحرير تقوم بها قوات الحشد. وهو ما حصل في آمرلي وجرف الصخر وغيرها من المناطق... وصولا إلى محافظة صلاح الدين.
عزَّزت حضور الفصائل العراقية في الساحتين الميدانية والسياسية. التي بات موقفها ندا للأميركي وأتباعه في الساحتين العراقية والاقليمية. وكشفت عن أن هذه الفصائل لم تضيع البوصلة ولم تنطل عليةا عمليات الخداع والتضليل الأميركي.
بناء على ما سبق، فقد أسُقطت ورقة داعش من يد الأميركي لابتزاز العراقيين. لأن عجزهم عن مواجهة "داعش” وبروز حاجتهم إلى الأميركي كان سيجعلهم أسرى الاملاءات الأميركية. فيما انتصاراتهم، استنادا إلى قدراتهم ودعم حلفائهم، ستقوِّض كل منطق سياسي كان وما زال يتم ترويجه في العراق بأن لا غنى له عن الأميركيين.
ويمكن القول، انه وعلى الرغم من أن "داعش” ما زالت تحتل أجزاء مهمة في الساحة العراقية، وتحديدا في محافظتي نينوى والانبار، لكن المعركة حُسمت من الناحية الاستراتيجية، خاصة وأن "داعش” لم تعد ورقة صالحة لإخضاع العراق ومعه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. بل قد تكون مخاطرها باتت أشد على بعض من راهنوا عليةا...
العراق