الأتراك في مرمى نيران الخارجية التونسية
روعة قاسم
كما كان متوقعاً، فقد التزمت حركة نداء تونس الحاكمة بوعودها الانتخابية وأعادت العلاقات الديبلوماسية مع سوريا بعد أن قطعها الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي وحلفاؤه في حركة النهضة الإخوانية. كما استضاف حكام الترويكا السابقون واحدا من المؤتمرات التي يطلق عليها "أصدقاء سوريا” والتي يهدف منظموها إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد.
ويبدو من خلال حزمة القرارات التي تم اتخاذها
من قبل الخارجية التونسية أن حكام تونس الجدد وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الباجي
قائد السبسي يسعون إلى تحويل سياساتهم الخارجية بشكل جذري لجعلها مختلفة
تماما عن تلك التي دأبت عليها حركة النهضة وحلفاؤها. وتتجه هذه السياسة نحو
مزيد من التضامن المغاربي والعربي والإفريقي والنأي بالنفس عن سياسة
المحاور وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
عودة السفير السوري
لقد طلبت الخارجية التونسية - على لسان أمين عام حركة نداء تونس السابق ووزير الخارجية الحالي الطيب البكوش رسميا - إلى دمشق إعادة سفيرها إلى تونس. كما تستعد الخضراء لإرسال بعثة قنصلية إلى دمشق سيتم تدعيمها لاحقا لترتقي إلى مستوى البعثة الديبلوماسية الكاملة. وبهذه القرارات تكون تونس قد طوت ملفا كثيرا، ما أرق مضاجع الطرفين باعتبار العلاقات التاريخية والمتينة الممتدة جذورها في أعماق التاريخ والتي تجمع الشعبين.
سوريا وتونس
فالوضع الطبيعي بين تونس ودمشق لا يقتصر على إقامة علاقات ديبلوماسية عادية بل في إيجاد أرضية للتعاون المتين في شتى المجالات كما كان الوضع سابقا. فقد كانت للبلدين لجنة عليا مشتركة تلتقي مرتين في السنة، مرة في العاصمة التونسية وأخرى في العاصمة السورية ويتم خلالهما إبرام عدد من اتفاقيات التعاون التي أوصلت مستوى التنسيق إلى ذروته قبل أن تجهض الترويكا الحاكمة السابقة بقيادة حركة النهضة جميع هذه المكتسبات وتدخل في لعبة قذرة عارضها عدد كبير من أبناء الشعب التونسي.
معبر الإرهابيين
كما وجهت الخارجية التونسية انتقادات واسعة إلى تركيا باعتبارها معبر الشباب الإرهابي التونسي المغرر به باتجاه سوريا. وقد طلب المسؤولون التونسيون إلى نظرائهم الأتراك القيام بجميع الإجراءات اللازمة لمنع عبور المسلحين التونسيين،ولم يتوقع أحدٌ أن يكون البيان الموجه إلى أنقرة بهذه الصراحة رغم أن القاصي والداني يدرك سلفا الدور القذر الذي تلعبه تركيا في هذا الملف.
ويرى أغلب الخبراء والمحللين أن تصريحات الطيب البكوش التي هي قرارات رئاسة الجمهورية بالدرجة الأولى باعتبار الصلاحيات الواسعة التي يعطيها الدستور التونسي الجديد لرئيس الجمهورية في مجال السياسة الخارجية، هي بمثابة قطع تام مع سياسات الإخوان التي دأبت عليها حركة النهضة التي كانت تقيم علاقات متينة مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، وأن مشاركة حركة النهضة في الحكم ماهي إلا مشاركة شرفية لكي يأمن "داهية السياسة التونسية” الباجي قائد السبسي "شرها” في المعارضة.
تنسيق أمني
ووفق المحللين، فإن عودة المياه إلى مجاريها بين النظامين التونسي والسوري ستمكن الجانبين من التنسيق الأمني وتبادل المعلومات في إطار مكافحة الإرهاب وسينتفع البلدان من هذا التنسيق. حيث سيتمكن الجانب التونسي من معرفة تحركات العناصر التكفيرية التونسية التي تقاتل في سوريا والعراق والتي من المتوقع أن تعود إلى بلادها للتخريب، وسيتمكن الجانب السوري من كف أذى قدوم المزيد من التكفيريين إلى أراضيه.
كما أن قائد السبسي وباتخاذه لهذا القرار قد أرضى شرائح هامة من التونسيين خصوصا من حملة الفكر القومي وكذا من باقي التيارات، ممن يعتبرون أن بلاد الشام بمختلف مكوناتها هي امتدادهم الطبيعي والتاريخي منذ العصر القرطاجي ويتطلعون باستمرار إلى إقامة أفضل العلاقات مع شعوب تلك الربوع.