بماذا تختلف معركة صلاح الدين عن المعارك الاخرى؟
عادل الجبوري
إذا لم تكن قد اكتملت عملية تطهير محافظة صلاح الدين من عصابات داعش الارهابية حتى الآن، فإنه بدون شك ستكتمل بعد فترة زمنية قصيرة، أو مثلما قال أحد القادة الميدانيين في قوات الحشد الشعبي بأن "نهاية الاسبوع الحالي ستشهد تحرير كافة مناطق صلاح الدين من عصابات داعش”.
وقد لا نكون متسرعين في حال قلنا "اننا امام معطيات ميدانية مهمة للغاية، ستترك اثارا وبصمات واضحة على خارطة الصراع والمواجهة مع تنظيم داعش، تتسع فيها مساحات نفوذ وهيمنة قوات الجيش والحشد الشعبي والعشائر، وتنحسر الى حد كبير ـ الى حد التلاشي ـ مساحات وجود داعش”.
ومن المؤكد ان تخليص صلاح الدين من قبضة الارهاب لا يقل اهمية عن تخليص جرف النصر وامرلي وسنجار وزمار وبلد العظيم والضلوعية، بل ان الانتصارات في صلاح الدين هي في الواقع مكملة للانتصارات السابقة، وربما لو لم تتحقق هذه لم وصلنا الى انتصارات اليوم.
بيد ان النظرة الدقيقة والمتأملة في عموم المشهد الميداني، تكشف عن وجود خصوصيات لمحافظة صلاح الدين، تجعل من الانتصارات على داعش فيها بوابة للوصول الى محافظة نينوى وتطهيرها هي الاخرى من هذا التنظيم الارهابي الخطير.
ولعل من بين تلك الخصوصيات:
-الموقع الجغرافي الاستراتيجي لتلك المحافظة، حيث انها تمثل حلقة الوصل بين نينوى وكركوك شمالا، والانبار غربا، وبغداد جنوبا، وديالى شرقا، وبقاء الارهاب فيها يعني بقاء التهديد والقلق محدقا بالمناطق والمحافظات المجاورة لها، والعكس هو الصحيح، واكثر من ذلك فإن تحريرها من براثن داعش يمهد الطريق ويختصره كثيرا نحو تحرير نينوى, لان صلاح الدين من الناحية الواقعية باتت تمثل بوابة الدخول الى نينوى.
-طبيعة التركيبة السكانية الاجتماعية فيها، ببعدها العشائري القبلي، الذي يبدو للبعض انه قريب من داعش, او بعبارة اخرى بعيد عن الدولة العراقية بواقعها القائم والعملية السياسية الديمقراطية, فضلا عن ذلك ضلوع عشائر لها ثقلها وتأثيرها الاجتماعي هناك، مثل البوعجيل والبونمر بارتكاب مجزرة معسكر سبايكر التي راح ضحيتها مئات الشبان، ناهيك عن غموض مصير اعداد اخرى منهم.
واليوم حينما تظهر مختلف عشائر صلاح الدين تأييدها ودعمها واسنادها لقوات الجيش والحشد الشعبي، واستعدادها لحمل السلاح بوجه عصابات داعش، فهذا يعد تحولا نوعيا مهما في حسابات الصراع ومعادلات المواجهة، وحتى لو اختارت تلك العشائر البقاء على الحياد فإن ذلك يسلب داعش ورقة مهمة كثيرا ما راهن وعول عليها وهو يتحرك في فضاء المكون السني، من الانبار مرورا ببعض مناطق حزام بغداد وبابل وصلاح الدين وديالى وكركوك وانتهاء بنينوى.
-فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فإن فيها-أي في صلاح الدين- واحدة من كبرى المنشآت النفطية في العراق، بل وفي الشرق الاوسط عموما، الا وهو مصفى بيجي، ومعلوم ان تنظيم داعش استمات طيلة الشهور التسعة الماضية من اجل احكام سيطرته على هذا المصفى، الا انه فشل في تحقيق ذلك الهدف، رغم نجاحه نسبيا في عرقلة سير العمل فيه بشكل طبيعي.
ومن المنطقي ان طرد داعش من صلاح الدين يعني زوال الخطر والتهديد الذي يمثله على الاقتصاد العراقي فيما لو سيطر-لاسمح الله-على مصفى بيجي.
ا- وجود مرقد الامامين، علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام وما يمثلانه من رمزية دينية لعموم المسلمين، وعلى الاخص اتباع اهل البيت عليهم السلام. وقد كان وما زال احد اهداف وطموحات الجماعات الارهابية التكفيرية الوصول الى هذا المرقد واستهدافه، ليكون ذلك شرارة الفتنة بين ابناء الشعب العراقي، وقد فشل تنظيم القاعدة الارهابي في ذلك، حينما فجر القبة الشريفة للمرقد في شهر شباط/فبراير من عام 2006.
ولم يدخر "داعش” جهدا لتكرار سيناريو عام 2006، بيد ان كل محاولاته بائت بالفشل الذريع، ويبدو اليوم بعيدا كل البعد عن التمكن من ذلك، في الوقت الذي اصبحت قياداته وكوادره تبحث عن سبل الفرار التي تنجيها من قبضة قوات الجيش والحشد الشعبي وابناء العشائر.
أما بخصوص الاختلاف في ادوات المعركة فقد لوحظ، مشاركة شتى العناوين فيها، كقوات الجيش والشرطة الاتحادية وكل فصائل الحشد الشعبي، وابناء العشائر، وقوات البيشمركة الكردية، وبحسب مصادر رسمية بلغ عدد القوات المرابطة في ميدان المعركة اكثر من ثلاثين الف عنصر.
وهناك دور حيوي ومحوري لسلاح الجو العراقي، في ظل غياب شبه كامل لطيران التحالف الدولي، اذ نقل مسؤولون في الحكومة المحلية بمحافظة صلاح الدين عن قادة ومستشارين في التحالف الدولي ان قوات الاخير لن توفر الغطاء الجوي في عمليات تحرير صلاح الدين في حال مشاركة قوات الحشد الشعبي فيها، ولاول وهلة يبدو ان هذا الموقف الغريب يمكن ان يعقد الامور ويربك سياقات المعركة, بيد ان نجاح سلاح الجو العراقي في سد الفراغ بفاعلية كبيرة اثبت حقيقة مهمة، الا وهي ان العراقيين قادرون حينما يوحدون صفوفهم ويوظفون امكانياتهم وقدراتهم بشكل جيد على تحقيق اكبر الانجازات وتسطير اروع الانتصارات.
وقد أشرنا في مقال سابق تحت عنوان (الطريق سالكة نحو نهاية داعش في العراق) الى "ان محافظة نينوى باتت قريبة من نقطة الحسم اكثر من اي وقت مضى. والحسم في نينوى يقرأ على انه تغيّر في مسارات الامور والمعطيات على الارض مائة وثمانين درجة. على اعتبار ان نينوى مثلت بشكل او بآخر المفتاح لتنظيم داعش للتمدد والانتشار الى مدن ومناطق اخرى. وقد تحقق له ذلك خلال فترة زمنية قصيرة مستفيدا من تخاذل القيادات العسكرية الكبرى مثل قائد عمليات نينوى مهدي الغراوي، وقائد القوات البرية علي غيدان، ومعاون رئيس اركان الجيش عبود كنبر وضباط كبار اخرين، الى جانب كبار المسؤولين الاداريين في المحافظة وفي مقدمتهم المحافظ اثيل النجيفي، وكذلك مستفيدا من غياب الروح المعنوية لمعظم افراد القوات المسلحة واستعدادهم للانسحاب والتراجع اكثر من القتال والمواجهة”.
وبالفعل نجد اليوم ان غياب معظم القيادات العسكرية السابقة التي ثبت فشلها او تخاذلها او تواطؤها، وبروز قيادات عسكرية فاعلة وحريصة ومخلصة، ووجود قدر عال من التنسيق مع قيادات الحشد الشعبي، وخطط منسقة ومدروسة بدقة، تعد عوامل مهمة وحاسمة في تحقيق نتائج طيبة، وفي سرعة الوصول الى الهدف.
ولان معطيات واهداف المعركة واضحة جدا، فإن الحراك العسكري الميداني لتحرير صلاح الدين اكتسب زخما ودعما سياسيا كبيرا من شتى النخب والفاعليات والقوى السياسية بمختلف مسمياتها وعناوينها، رغم تحفظ واعتراض البعض منها على بعض التفاصيل والجزئيات، او تخوفها مما سيترتب لاحقا، بيد ان الاطر الشرعية التي حددتها المرجعية الدينية من خلال جملة توجيهات وتوصيات اصدرتها مؤخرها من شأنها ان تبدد الكثير من تلك المخاوف والهواجس لدى هذا الطرف او ذاك، وفي ذات الوقت تضبط ايقاع تحرك وسلوك من هو في الميدان، وتكبح جماح الانفعالات، وتحول دون ارتكاب الاخطاء.