تبرئة دكتاتور أم أدانة ثورة؟!
علاء الرضائي
تبرئة دكتاتور ام ادانة ثورة لم يكن قرار محكمة جنايات شمال القاهرة ببراءة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك بتاريخ 29 نوفمبر 2014 مفاجئة للمتابعين والشعب المصري فقط، بل شكل صدمة كبيرة جرّت العديد من شباب الثورة والجماهير ثانية الي ميدان التحرير وسط القاهرة للاحتجاج علي الحكم الصادر في رمزية واضحة للتذكير بثورة 25 يناير 2011 التي أسقطت حكم الرئيس الأسبق وخلعته من منصبه الذي بقي متشبثاً به علي مدي 30 سنة (1981- 2011)، بل كان ينوي توريثه لابنه جمال الذي تمت تبرئته هو الآخر من أي فساد! وقرار المحكمة الذي لم يعلق عليه أحد من أركان السلطة وخاصة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لم يكن قرار تبرئة فقط للدكتاتور المخلوع، بل هو قرار ادانة للشعب الذي ثار ضده وخلعه وقدم الشهداء والتضحيات علي مدي العقود الثلاثة من حكمه... قرار ادانة للثورة ورموزها وجماهيرها، ادانة للمثل والقيم والشعارات التي قامت عليها ومن أجلها، قرار عودة الفلول وسحق ارادة الشعب مرّة اخري...
والغريب ان حسني مبارك لم يحاكم علي 30 سنة من حكمه وعلي اعدامه ثوار مصر واحرارها امثال خالد الاسلامبولي وسليمان خاطر، وعلي علاقاته الحميمية مع كيان الاحتلال الصهيوني والرجعية العربية ومشاركته في استجلاب القوات الاجنبية للمنطقة وتحويل مصر "أم الدنيا” الي مجرد تبع لسياسات البلدان الخليجية لقاء فتات موائدهم ومساعداتهم التي ذهبت اغلبها الي جيوب مبارك وأركان سلطته، فيما أبقت الشعب المصري علي سغبه وفقره فلم تسدّ له جوعاً ولم ترفع عنه ضيماً. لم يحاكم علي حصاره لشعب غزة بالتعاون مع الصهاينة.. ولم يحاكموه علي التوريث والنهب وبيع الوطن للآخرين.. ورغم انهم حصروا المحاكم بمسألتين، هما:
1- مقتل 846 من ثوار 25 يناير - 11 فبراير 2011 وجرح 6467 آخرين.
2- صفقة الغاز المصرية الي الكيان الصهيوني عام 2005 والتي بيع فيها الغاز المصري بآقل من دولار ونصف من سعر تكلفته! مقابل رشاوي لمبارك وأسرته. ومن هاتين التهمتين برأوه ايضاً، وأوصت المحكمة "مشكورة” بالاهتمام بأسر "ضحايا” أحداث يناير 2011 وبتعديل قانون العقوبات لان دفاع الرئيس المخلوع أستغل المنافذ والثغرات التي فيه، لتبرأة الدكتاتور!ويظهر ان التحشيد العسكري والامني الذي قامت به السلطة بحجة " الثورة السلفية " في يوم الجمعة 28 نوفمبر الماضي لم يكن هدفه المظاهرات السلفية التي بدت ضعيفة عكس ما صوره التهويل الاعلامي المصري والذي استدعي دبابات وأسلحة ثقيلة أخرى في شوارع القاهرة ونزول قوات الصاعقة الي الميدان! أجل يظهر أن الهدف من كل ذلك التحشيد هو السيطرة علي ردة فعل الجماهير ازاء النطق بحكم براءة الدكتاتور السابق حسني مبارك والذي سارع دكتاتور البحرين الذي يواجه بدوره ثورة شعبية سلمية منذ 14 فبراير 2011 الى تهنئته من خلال اتصال هاتفي بالبراءة والافلاة من العقاب! لكن هذه الدبابات وقوات الصاعقة وكل التحشيد الاعلامي والحرب النفسية والفتاوى الأزهرية لم تمنع شباب ثورة 25 يناير وجماهيرها من العودة الى ميدان التحرير الخالد، مركز الثورة ضد نظام مبارك.. حيث سطر الثوار المصريون واحدة من أجمل وأكبر ملاحمهم الوطنية في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. وهنا لابد أن نفرق بين ثورة 25 يناير التي قامت على اكتاف شباب مصر بشتى انتماءاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية وكونهم هم من بدأوها وهم من دفعوا ثمن تضحياتها، وبين القوى السياسية التي استفاقت على وقع أقدام الشباب وأستغل بعضها مظلوميته التاريخية فأستحوذوت على القرار ما بعد مرحلة خلع الدكتاتور. ثورة 25 يناير كانت ثورة شعب يبحث عن العزة التي سلبها الدكتاتور منه والكرامة التي سحقها نظام كمب ديفيد، كان يبحث عن الدور الكبير لهذا البلد بما يتناسب مع ارثه الحضاري وتاريخه السياسي.. كان يريد اعادة امجاد محمد علي وسعد زغلول وحسن البنا وجمال عبد الناصر.بلد العمالقة والمبدعين امثال طه حسين واحسان عبد القدوس وتوفق الحكيم وعباس العقاد وعشرات غيرهم ممن كانوا معيناً لباقي الناطقين بالضاد قبل ان تخيم ثقافة البداوة على العرب.. ثقافة شاعر المليون ومهرجان أم رقبة وستار اكادمي. لذلك من الظلم حصر هذه الثورة العظيمة باتجاه معين من الاسلام السياسي، بل هذا الحصر قام به الاعلام المعادي للثورة في الداخل على يد قنوات الفلول وفي الخارج من قبل اعلام البترودولار.. ارادوا بهذا الشكل ضرب الحركة التحررية المصرية واعادتها الى حضيرة الرجعية بواجهة جديدة لكنها لاتختلف من حيث العمق بمرحلة الرئيس المخلوع الذي صدرت "براءته” من قبل محكمة نظام الانقلاب. وقرار المحكمة بحق الدكتاتور المخلوع يكشف للمصرين والرأي العام العالمي طبيعة الانقلاب الذي حصل في 30 يونيو 2013 (أكرر هنا أنني لست بصدد الدفاع عن منظومة حكم الرئيس السابق محمد مرسي وسياسة الاخوان المسلمين الفاشلة في داخل مصر وخارجها)..لكن ماحصل في30يونيو 2013 كان خيانة عظمى جمعت العسكر والفلول والانظمة الرجعية العربية.حيث تصدى الاول ودعم الثاني وأمد الثالث! بينما الرئيس السابق وقيادات الاخوان لايزالون يحاكمون بتهمة التخابر مع جهات أجنبية والهروب من سجن الدكتاتور!!
وللأسف الشديد فأن هذه الاجراءات التي يقوم بها النظام في مصر لن تشكل حلاً لما يواجهه هذا البلد (وحتى هو كنظام) من تحديات، بل تعمق التطرف فيه والانقسام السياسي والاجتماعي، كما انها لن توصل سفينة مصر الى برّ الامان مهما دعمتها أنظمة مثل السعودية والامارات والبحرين! والتي تنطلق ـ عادة ـ بدوافع الضغينة والاحقاد والمصالح الضيقة، ومحاولاتها الدائمة لأن تجعل من مصر تبعاً لمواقفها من خلال استغلال العامل الاقتصادي.
ان الحل في الخلاص من هذه التبعية الاقتصادية والاملاءات الخليجية والتفكير بمنطق مصالح جميع فئات الشعب وتياراته السياسية والفكرية وفي العودة الى قيم ومثل واهداف ثورة العزة والكرامة المصرية،ثورة25 يناير.