kayhan.ir

رمز الخبر: 11182
تأريخ النشر : 2014December02 - 20:52

قوى الثورة المضادة تتوحد… فماذا عن الحركة الإسلامية؟

د. سعيد الشهابي

اذا جاز تحديد انطلاق الصحوة الإسلامية المعاصرة التي تعتبر حاضنة ما يسميه الغربيون "الإسلام السياسي” بمطلع السبعينات، فان ما تعانيه الفصائل الإسلامية التي ارتبطت بتلك الظاهرة اليوم يعتبر من اخطر المحن وأشدها تهديدا ليس لمشروع الحكم الإسلامي فحسب، بل لآمال الشعوب العربية في تحقيق حياة كريمة تتوفر فيها الحرية والحكم العادل. فالإسلام السياسي خطر على جهات ثلاث:

اولها الاستبداد السلطوي الذي حكم العالم العربي في مرحلة ما بعد الاستعمار، ثانيها: الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وثالثها: الهيمنة الغربية السياسية والاقتصادية على المنطقة.

تتمثل المحنة الحالية بتعرض كافة الحركات الإسلامية لأبشع اشكال القمع من قبل تحالف تشترك فيه الجهات الثلاث المذكورة، الانظمة والاحتلال والغرب. وفي هذه الحرب الشرسة لا توفر اية وسيلة دنيئة للاستخدام ضد الظاهرة الإسلامية. وربما الوسيلة الاخطر توفير بديل ايديولوجي ديني يتناقض في ممارساته مع الحركة الإسلامية المستهدفة واخلاقها وقيمها واهدافها. فقد استبدلت العناوين العديدة المرتبطة بمشروع الإسلام السياسي بشعارات اخرى، تبدو للبسطاء متشابهة ولكنها تنطوي على ابعاد مختلفة. فمن شعارات الحركات الإسلامية، على تعدد فصائلها وانتماءاتها المذهبية: الحرية، العدالة، الحكومة الإسلامية، الحاكمية لله، الإسلام هو الحل. اما البدائل المطروحة حاليا فلديها شعارات منها "تطبيق الشريعة” و”رفع راية الجهاد” و "مواجهة البدع” و "قتل المشركين”. والفرق شاسع بين مضامين تلك الشعارات. فمشروع الإسلام السياسي يهدف لاقامة نظام سياسي يحقق قيم الحرية والعدالة والشورى والكرامة واحترام الحقوق الشخصية، ولا يستعجل بتطبيق الحدود الا بعد ان تتوفر الاهداف الاولى. اما البديل الذي اصبح يعرف بـ "الإسلام الجهادي” من قبل الغرب فيبدأ معكوسا على اساس العودة إلى "سيرة السلف الصالح” بقطع الرؤوس وبتر الايدي والجلد وغير ذلك من اساليب الاكراه.

ويلاحظ ان الغرب تعايش طويلا مع التطبيق الصارم لتلك الحدود في غياب الحكم الإسلامي على صعدان السياسة والاقتصاد، بل تحالف مع أشد الانظمة التي تمارس ذلك. ولكنه لم يستطع التعايش مع مشروع الإسلام السياسي الذي وفرت له الثورة الإسلامية في ايران مناخا للظهور، وفرصة للتطبيق والتطوير التدريجي.

ولذلك شنت الحرب على ايران منذ ان اتضحت معالم نظامها الجديد. فقد بدأت باستفتاء الشعب حول حول الحكم الإسلامي، وكتبت دستورا تم التصويت عليه، وانتخبت برلمانا وفق ذلك الدستور، وطرحت "ولاية الفقيه” لرعاية المشروع وضمان استقامته مع الشرع الإسلامي. أما الحركات الإسلامية فقد سعت، عبر الوسائل السلمية، للوصول إلى الحكم طوال العقود الثلاثة الماضية، معتمدة على كياناتها التنظيمية التي شكلتها في العقود السابقة، ولكنها قوبلت بعداء شديد وحملات شعواء من قبل التحالف الثلاثي: انظمة الاستبداد والكيان الاسرائيلي والدول الغربية.

يمكن القول ان عاما واحدا من عمر هذه الأمة ترك من الآثار والتبعات ما لا يقل عما احدثته ثورة ايران قبل ذلك بثلاثة عقود. فثورات الربيع العربي أوصلت الرسالة واضحة للتحالف المذكور: ان الأمة حبلى بالمفاجآت وان رحمها قادر على انجاب اجيال من المطالبين بالحرية والعدالة على خطى الإسلام ومن وحي تعليماته. فاذا بهذه القوى تحيل ذلك الربيع خريفا، وتشن واحدة من اشرس الحملات السياسية والأمنية والايديولوجية ضد مشروع الإسلام السياسي. ففي السابق لم تكن هناك جرأة على استهداف الصفوف الاولى من قيادات الحركات الإسلامية، ولكن هذه المرة اختلف الامر تماما، فقد تحول الصراع إلى حرب وجود بلا حدود.

والسؤال هنا: هل كانت هناك مؤشرات لما سيحدث للثورات عندما كانت جماهير الأمة تهتف بملايينها في العديد من العواصم العربية: الشعب يريد اسقاط النظام؟ وهل كانت قيادات التحرك الشعبي في تلك البلدان تدرك ان أقذر الاسلحة سيستخدم ضدها متمثلا بـ "الطائفية”؟ الامر المؤسف ان ايا من تلك القيادات لم يتوقف عند حادثة مهمة تمثل، في نظر كاتب المقال "بروفة” لمشروع الثورة المضادة التي ستنقلب لاحقا ضد كافة الثورات لاجهاضها بدموية مفرطة. في منتصف شهر آذار/مارس 2011 عبرت وحدات من الجيشين السعودي والاماراتي الجسر الذي يربط بين البحرين والسعودية، لهدف واحد: ضرب الثورة البحرانية التي كانت نسخة اخرى من ثورات الربيع العربي الموؤود.

وفي غضون 48 ساعة استهدف "دوار اللؤلؤة” الذي كان نقطة التجمع المركزية لشباب الثورة، على غرار "ميدان التحرير” في القاهرة و "ساحة التحرير” في صنعاء. اختفت معالم الثورة اياما وسط صمت إعلامي عربي رهيب، وغياب اي صوت إسلامي ضد دخول تلك القوات إلى المنامة، الامر الذي اعتبره شباب ثورة البحرين "احتلالا” لا يختلف عما فعلته القوات العراقية في الكويت قبل عشرين عاما سابقة، او ما فعله الاتحاد السوفياتي باجتياح افغانستان "بناء على طلب رئيسها آنذاك، بابراك كارمل”. يومها اتضح لبعض المحللين ان هناك "ثورة مضادة” تستهدف الثورات وان ايا منها لن يكون محصنا عنها.

وباستقراء ما حدث لاحقا لكافة الثورات العربية يمكن اكتشاف مصاديق لهذا التدخل. المشكلة ان قوى الثورة المضادة استطاعت غرس بذور الشقاق بين ابناء الأمة وفق خطوط التمايزالمذهبي، فقالت ان ثورة البحرين "طائفية” وصدقها الكثيرون. فما الذي حدث لاحقا؟ لعل التدخل الابرز كان ما حدث في مصر بعد ثلاثين شهرا تقريبا. فقد حدث الانقلاب العسكري في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي لاسقاط حكم الإخوان.

جاء ضرب الإخوان في مصر بشكل موجع وشبه حاسم. فلم تحدث ضجة حقيقية ضد ذلك الا باصوات خافتة. وحتى فصائل الإخوان في الدول العربية التزمت الصمت فيما كان المرشد العام ومساعدوه والرئيس محمد مرسي يقادون إلى المحاكم العسكرية وتصدر احكام الاعدام بحقهم. ولم تصدر الا احتجاجات خجولة في بعض البلدان مثل الاردن. وفي هذا الاسبوع اقدمت الحكومة الاردنية على اعتقال ، زكي بني رشيد، نائب المراقب العام للاخوان المسلمين في الاردن عقب اجتماع عقد في ساعة متأخرة من الليل بمقر الجماعة في عمان ليكون ذلك أول اعتقال لشخصية كبيرة بالمعارضة في الأردن منذ سنوات. وقال المدعي العام لمحكمة أمن الدولة انه أمر باعتقاله بتهم "تعكير صفو العلاقات مع دولة عربية شقيقة” بعد أن كتب مقالا يهاجم فيه دور الإمارات في حملة اقليمية على الإسلام السياسي. وكانت الامارات قد نشرت مؤخرا قائمة باكثر من 80 منظمة إسلامية تعتبرها "ارهابية”. ومن هذه المنظمات مؤسسات تعمل في الغرب، خصوصا بريطانيا وامريكا.

واذا كان هذا امرا متوقعا ومفهوما، فان ما يثير التساؤل حالة البساطة لدى قيادات الحركة الإسلامية التي تقترب من السذاجة احيانا في التفكير والتحليل ومعرفة الواقع وصياغة الموقف. ففي الوقت الذي تتعاون انظمة الاستبداد فيه للتصدي للحركات الإسلامية لاجهاض محاولات التغيير السياسي في العالم العربي، فان حركات المعارضة تستدرج بسرعة لمواقف وسياسات تفرضها تلك الانظمة. فالطائفية مثلا من أشد الاسلحة فتكا بالمشروع الإسلامي، خصوصا بعد ان احاطته قوى الثورة المضادة بالعنف وسفك الدماء والمشاهد المقززة من الذبح والاسترقاق والتنكيل بالآخر، سواء كان مسلما. ويبدو ان شدة الضربات التي وجهت للحركات الإسلامية المعتدلة دفعتها لمواقف وسياسات "اعتذارية” بعيدة عن المبدئية، فلاذت بالصمت حين كان الموقف يتطلب منها كلاما، وانكفأت إلى الوراء حين كان المطلوب منها ان تتقدم وتتصدى للمؤامرات ضد المشروع الإسلامي، ونظرت إلى ما يجري من المنظور الذي فرضته قوى الثورة المضادة على الواقع السياسي والايديولوجي، بدلا من العودة إلى الاصول وتحديد الموقف الشرعي في اطار القرآن والسنة اللذين يحرمان التكفير او الاقصاء او الانسياق وراء الفتن في اوساط الأمة الإسلامية. مطلوب من حركات الإسلام السياسي، في ظل الحقائق المذكورة، اعادة تقييم مواقفها والعودة إلى الجذور في التفكير والتحليل وتقدير الموقف، وتعضيد مواقفها بالجرأة والتصدي والوضوح والشجاعة في رفض التطرف والعنف والارهاب، ورأب الصدع بين المسلمين وقطع الطريق على العابثين بأمن الأمة ووحدة ابنائها.