ما تقتضيه مهارة فريقنا المفاوض
حسين شريعتمداري
رغم عدم نشر فحوى المفاوضات النووية التي اجراها فريقنا النووي ومجموعة 5+1، وكما صرحت السيدة (وندي شرمن) في تقريرها لمركز واشنطن للدراسات الدولية وحسب السيدة (مادلين آلبرايت) وزيرة خارجية اميركا سابقا، بان "المفاوضات اشبه بالفطريات التي تنمو في الظلام"، الاان الادلة التي بين ايدينا وما عنونته تصريحات بعض المسؤولين الاميركيين تعكس ان الخصم بصدد تهميش الموضوع الاساس للمفاوضات (الغاء العقوبات) وفي المقابل الحصول على امتيازات اكثر، من هنا فاذا لم يحصل اتفاق الى نهاية المهلة المحددة 24 نوفمبر، فان هذه الحالة ستعتبر سيئة لايران وبالنسبة لاميركا وحلفائها اتفاق جيد ونموذجي.على ذلك نلمح الى عدة امور؛
1 ــ ان اتفاق جنيف والذي من المقرر ان ينحو في دفع المفاوضات الى الوصول لاتفاق نهائي، وعلى العكس مما يطرحه الاعزاء في الفريق النووي، يصب في مصلحة الخصم، فلا يعثر على نقاط لصالح ايران الا اليسير والغير مهم. فالجانب الاميركي قد حصل تقريبا في هذا الاتفاق على جميع ماكان يصر عليه، وما الاستمرار بالمفاوضات الا لتثبيت ماحصله من امتيازات. ولذا فان مساعي الفريق المفاوض ينبغي ان تنصب على استعادة هذه الامتيازات والتي رصدت للخصم في اتفاق جنيف.
في هذا السياق فان من الاهمية بمكان الاشارة الى تصريح (انتوني كوردزمن) الستراتيجي الاميركي المقرب من البيت الابيض، والذي قال: "ان ما حصلت عليه اميركا في اتفاق جنيف، والذي من المقرر ان تتزايد في الاتفاق النهائي، لا يقارن حتى بالحملة العسكرية على ايران ومنشآتها النووية"! هذا وسبق ان صرح (مايكل هايدن) مسؤول السي آي ايه خلال حكومة جورج بوش بان جهاز المخابرات الاميركية قد رصد بدقة نتائج أي حملة عسكرية على منشآت ايران النووية، وتوصل الى ان الخيار العسكري ضد ايران لا يستتبع أي اثر مفيد! هذا الامر يستدعي بالفريق المفاوض ان يضع في حسابه التراجع عن الامتيازات التي قدمها للخصم والحؤول دون الاعتراف الرسمي بها في الاتفاق النهائي.
2 ــ ان الجدال النووي الذي طال اثني عشر سنة تمحور في الغاء العقوبات الظالمة والغيرقانونية، الا ان الاخبار والتقارير المسربة تحكي ان هذه المحورية قد استبعدت بوعود خاوية.
وحسب هذا التقرير، فان الاميركان يصرون على ابقاء نظام العقوبات، والاكتفاء بتعليق قسم منها وليس الالغاء، أي ان سطوة العقوبات تبقى مهددة لنشاطات ايران النووية. فقد عمدوا الى تقسيم العقوبات الى اربعة اقسام؛ الاول: عقوبات مجلس الامن الاممي "U.N.SANCTIONS" ويقول الاميركان ان هذه العقوبات ستبقى دون نقص وتغيير، مدعين ان الغاء او تعليق هذه العقوبات من صلاحيات مجلس الامن التابع للامم المتحدة، متغافلين عن ان 5+1 قد حضروا من قبل الامم المتحدة للحوار مع ايران!
الثاني: عقوبات الاتحاد الاوروبي "E.U.SANCTIONS" وهذا النوع يصنفه الخصم ضمن العقوبات الخارجة عن المفاوضات وهي بالاساس غير نووية.
الجدير ذكره ان فريقنا المفاوض قد سلط جهوده على التفاوض مع الاميركان، فيما قلل حواره مع الدول الاوروبية الثلاث؛ المانيا وفرنسا وبريطانيا، بينما لم يحصل أي حوار مع الصين وروسيا! وما مفاوضات مسقط الانموذج لهذا البرنامج ، وان حضور السيدة اشتون بمثابة صبغة لثلاثية المفاوضات!
الثالث: عقوبات الكونغرس " C.SANCTIONS" فالفريق المفاوض الاميركي قد اعلن انه لايملك صلاحية الغاء او تعليق هذا التقسم من العقوبات، ويمكنه فقط التوسط لدى الكونغرس لاعمال التعليق اذا لزم الامر!
الرابع: العقوبات التي وضعت من قبل رئيس جمهورية اميركا. فحسب التقارير المتوافرة، فقد اعلن الاميركان ان قسما من هذه العقوبات ستعلق، فيما اذاتم الاتفاق مع ايران على اولياتها. وحتى هذا القسم يخضع للتقسيم؛
الف: العقوبات الاولية "RY.SANCTIONS PRIME" وهي تشمل الشركات والمؤسسات والشخصيات الحقيقية والحقوقية الاميركية، اذ يمنع هؤلاء من التواصل مع ايران تجاريا وعمليا، وفيما اذا تخلفوا يفرض عليهم غرامات باهضة وقد اعلن الاميركان ان هذا القسم من العقوبات لا تلغى ولا تعلق!
باء: القسم الثاني من العقوبات التي تفرضها الادارة الاميركية، عقوبات ثانوية ""RY.SANCTIONS A SECond" وهي تمنع الشركات والمؤسسات والاشخاص الحقيقية والحقوقية غير الاميركية من التواصل مع ا يران تجاريا وعلميا. فيما اعلن الاميركان ان هذا القسم من العقوبات قد يعلق لعامين، وهذاالتعليق الغير مهم يخضع لقيدين:
القيد الاول: ان تؤيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزام ايران بعهودها في الاتفاق النهائي! مع ملاحظة ان الوكالة الدولية لم تبد استعدادها، خلال 12 عاما، وبالرغم من الطلعات التفتيشية التي فاقت شروط الـ ان بي تي، والمعاهدات المتعلقة بهاوحتى التفتيش المفاجئ "لاي نقطة وفي أي وقت"، لم تبد استعدادها باعلان سلمية النشاطات النووية لايران، وحسب البرادعي ــ بالطبع بعد استقالته ــ ان الاجراءات تخضع لضوابط سياسية وليست فنية او قانونية.
القيد الثاني: يقتصر التعليق في العقوبات الثانوية على مايتعلق بالنشاطات النووية الايرانية، فيما تبقى العقوبات المفروضة بسبب اتهامات مثل؛ نقض حقوق الانسان وانتاج الصواريخ الباليستية! والاسلحة الكيماوية: ودعم الارهاب و... ومعارضة مشروع السلام الشرق اوسطي ومعارضة الاعتراف الرسمي بالكيان الصهيوني.
ومن نافلة القول انه من مجموع 18 قرار لرؤساء اميركا في فرض العقوبات على ايران، يختص قراران ضد البرنامج النووي، فيما تعود القرارات الـ 16 الاخرى لاتهامات مثل نقض حقوق الانسان، وصناعة صواريخ باليستية و... ولايخفى ان اشد العقوبات على ايران قد وضعت في فترة حكومة اوباما الديمقراطي، وانه من بين عشرة قرارات للكونغرس في فرض عقوبات على ايران، ستة منها تعود لفترة يشكل الديمقراطيون الاغلبية في الكونغرس.
3 ــ ان الشواهد المطروحة وتصريحات المسؤولين الاميركيين ــ سواء الديمقراطيين ام الجمهوريين ــ لا تبقي أي شك بان العقوبات لم توضع بذريعة النشاطات النووية الايرانية وانما لمواجهة اساس الثورة الاسلامية واقتدارها المتصاعد، والتراجع الى فترة الابتزازات ونهب الثروة الوطنية من قبل اميركا وحلفائها.
ولايفوتنا التاكيد على ان ظريف قد اكد اول امس في مسقط، بان "الالغاء الكامل للعقوبات وزيادة حجم التخصيب في ايران من اهم محاور المفاوضات" وهذه الرؤية تعكس جدية وزير الخارجية في حفظ المصالح القومية للبلاد.
ونختم مقالنا بمسألة لايمكن التغاضي عنها،وهي ان العقوبات اذا بقيت في الاتفاق النهائي على حالها في برنامج المفاوضات، فما المكسب الذي يمكن الحصول عليه كنتيجة للمفاوضات؟ سوى الاطمئنان بعدم الاعتماد على اميركا، وان نولي اهتمامنا بقدراتنا وامكاناتنا، وفي هذه الحالة ستتحول العقوبات الى صراع تخريبي، في الوقت الذي يلوح في الافق مئات العلامات لعجز اميركا وحلفائها في استمرار هذه الحرب التخريبية.