kayhan.ir

رمز الخبر: 3506
تأريخ النشر : 2014July09 - 19:57

داعش : رافعة البازل الصهيوأمريكي المتعثر

حسن شقير

في بدايات انطلاق ما سُمي بربيع العرب ، رتحديداً في عامه الأول ، انكبت مراكز الدراسات الصهيونية والأمريكية على دراسة هذه الظاهرة ، وتداعياتها الإستراتيجية على كل من أمريكا والكيان الصهيوني معاً … وقد لفت انتباهي في حينه أن الدراسات وتقدير الموقف الصادر عن هذه المراكز البحثية في كليهما ، يكادان يتطابقان في الصياغة ، فضلا ً عن النتائج التي توصلوا إليها ، وتحديداً لناحية أنظمة الحكم الجديدة في المنطقة ، وارتباطها بشكل وثيق بمدى التغييرات المرتقبة في أطرٍ داخلية بعينها في داخلها.

في ورقة بحثية نشرتها بتاريخ 08-05-2012 ، تحت عنوان "النيو بازل الصهيوأمريكي في الجيوبوليتيك العربي والإسلامي ” أسهبت فيها بالشرح حول الأطر الأربع ، التي ستكون ضمن إطار العين الصهيوأمريكية في المرحلة اللاحقة ، والتي اشتملت على مربعات أربع : الشعب أو الجماهير – الدولة – الجيش – التنسيق والتكامل ..

لا داعي للشرح حول ما جرى على هذه الأطر الأربع في بلادنا ، وكيف أن هذه العين المتربصة قد حاولت أن تفعل فعلها بها ، وفي جميع جوانبها ،إلا أن التعثر الذي أصاب بعضها في بعض الساحات الممانعة ، جعل من التطور الذي طرأ مؤخراً في الساحة العراقية تحديداً ، رافعةً حقيقة لذاك التعثر الصهيوأمريكي – والتي كنا قد أشرنا إلى مألاتها بقوة في تلك الورقة – وذلك من خلال تمدد الدواعش فيه ، وما مثله ذلك من خطر محدق على كل من الشعب والجيش والدولة العراقية على حد سواء .. وقد يتعداها لاحقاً إلى هذه الأطر نفسها ضمن البلدان الأخرى ، في. عملية ارتدادية ، والتي لا تزال تقبع في المنظار الصهيوني عينه

السؤال الأساسي : كيف يتقاطع حكم الدواعش مع تلك الأهداف الصهيونية المنظورة في بلاد ” الربيع العربي ” ؟

داعش و الدولة

يعتبر إعلان دولة الخلافة الإسلامية على أرض العراق وسوريا من قبل تنظيم داعش عاملا ً حيويا ً مركزيا في مسار تفتيت الدول العربية والإسلامية ، رالتي أشرنا إليها في تلك الدراسة المشار إليها أعلاه … فبداية الغيث كانت مع عودة بث الروح في حياة المشروع الصهيوني المرسوم لدول المنطقة ، في فرزها جغرافياً وديموغرافياً على أساس مذهبي ، والذي كانت سوريا الدولة ومعها القوى المساندة قد وأدته في تحرير القصير ، ومن ثم القلمون ، وصولا ً إلى كل منطقة الحدود اللبنانية – السورية … والتي كان البعض يعوّل عليها في إقامة ” دويلة ” أو ” إمارة. ” وبحسب التصنيف أعلاه .. وكذا الأمر بالنسبة لباقي المناطق السورية التي بترت فيها الدولة السورية عمليات فرزها

بالعودة ، إلى دولة الخلافة تلك ، فلقد شكلت هذه الأخيرة الرافعة – الحلم للمشروع الصهيوني أعلاه ، وذلك بشكل ألي ، وقد برز ذلك جلياً في عمليات التهجير السكاني وحتى الثقافي التي رافقت تلك الغزوة .. وبدون أية تكلفة فعلية ووازنة للكيان الصهيوني ، وذلك خلافاً لما كان يجري على الأرض السورية من اعتماد الجماعات الإرهابية عليه ، وفي أكثر من معركة مفصلية ..

داعش والجيش

عندما قصمت الدولة السورية ومعها القوى المساندة ظهر الإرهاب على الحدود اللبنانية – السورية ، كانت السهام العنيفة لا تزال تنطلق من هنا وهناك على المؤسسة الأمنية الجامعة شبه الوحيدة في لبنان – أي الجيش – ، وذلك بشكل غير مسبوق ! وذلك من قبل العديد من الشخصيات السياسية اللبنانية ، وكذا ” الدينية ” من أجل دق الأسافين الطائفية والمذهبية في هذه المؤسسة ، وتوهينها وجعلها تفقد مكانتها الرفيعة عند شريجة طائفية وازنة في لبنان ، والتي هي بالمناسبة الخزان الأكبر الذي يرفدها بالعديد!

لقد ظهر جلياً ، أن تلك الدعوات ، كانت ولا زالت ، بعيدة كل البعد عن البراءة في أهدافها ، فيما سُمي ” بإزالة التعامل بمكيالين ” مع الشرائح اللبنانية المختلفة ! ، إنما كانت أهداف تلك الدعوات ، ولا يزال البعض منها لغاية اليوم ، يهدف فيما يهدف ، إلى إفقاد الجيش الثقة من قبل تلك الشريحة .. وصولا ً إلى مرحلة الدعوة لإفراغ الجيش من أفرادها .. !

لقد أصيب هذا المشروع ، بعد تطورات الحدود اللبنانية – السورية ، في مقتله ، وذلك عندما فُقد المجال الحيوي السوري لتلك الجماعات المسلحة في المقلب اللبنلني ، وذلك قبل اختمار تلك الدعوات التفتيتية للمؤسسة الجامعة في لبنان .. فكان ما كان من رعاة هذه الجماعات في لبنان وخارجه ، أن ضحت بها عند أول انتكاسة ألمت بها .. وهنا من جديد ، أصيب المشروع الصهيوأمريكي فيما خص الجيش اللبناني في مقتله ، والذي مجدداً كنت قد فصلت فيه في تلك الورقة التي أشرت إليها أعلاه

لعل التمدد الداعشي المباغت في الأراضي العراقية ، قد عوّض الصهاينة – ولو مرحلياً – عن الفشل في مربع الجيش اللبناني ، فكان الحدث العراقي ، الفرصة البديلة لديهم ، فيما حل بالجيش العراقي ، والذي تعمل الميديا اليوم – بعد الإنشقاقات والخيانات التي أصابته – على نعته بأقصى النعوت الطائفية والمذهبية البغيضة ، ونزع الصفة الوطنية الجامعة عنه

داعش والأمة

في مقالة للكاتب الصهيوني بوعاز بسموت نُشرت في صحيفة ” يسرائيل هيوم ” بتاريخ 30-06-2014 ، تحت عنوان ” على إسرائيل أن تخاف من إيران لا من داعش ” ، يرى فيها أنه بالرغم من ” التأييد الشعبي السني ” لداعش في كل من العراق وسوريا بوجه الأنظمة فيهما .. إلا أن هذا التنظيم لم يستطع لغاية اليوم تكوين ” حركة جماهيرية عريضة تؤمن بكفاحه ” في سبيل إقامة الخلافة ..

ينتقل الكاتب في هذه المقالة إلى تقديم النصح للكيان الصهيوني ، بألا ّ يكون خائفاً من دولة داعش ، إنما الخوف الحقيقي يكون لناحية البرنامج النووي الإيراني .. متخوفاً من نتائج تغيّر المزاج الدولي في ذلك ، وتداعيات ذلك على الكيان الصهيوني !

في تلك الورقة التي أشرت إليها أعلاه ، كان شبه التطابق الصهيوني والأمريكي ماثلا ً في تلك المرحلة ،حول النظرة ” للجماهير الثورية ” وماهية التوجهات المستقبلية التي ستكون عليها .. فضلا ً عن تقييم مدى الرضى الشعبي عن الأنظمة الجديدة ، وكيفية تطور نظرة هذه الجماهير لكل من أمريكا والكيان على حد سواء ..!

لا بد من التذكير أن الفشل قد أصاب مشروع تطويع الشعوب العربية والإسلامية ، بأعمها الأغلب ضمن العباءة الأمريكية ، وذلك من خلال الفشل الذريع في تمرير التسوية المؤقتة للقضية الفلسطينية ، وكذا الفشل الصهيوني في ربط الشعوب والجماهير الثورية بمشروع بعض الأنظمة الجديدة في المنطقة ، وذلك بتقديم نموذج جديد للممانعة ، يجمع ما بين التطبيع العملي تارةً ، والتمسك بالثوابت نظرياً تارة أخرى

اليوم ، تُشكل فورة داعش الأخيرة ، بوصلة ً مستحدثة للأمتين العربية والإسلامية ، إن سلباً عند أعمهما الأغلب في هذه المرحلة ، أو حتى إيجاباً عند أقلية لديهما … وبالتالي فإن دولة الخلافة المستحدثة تلك – وإذا لم يكن لها حسم سريع – ستُشكل بوصلة ً لصحواتٍ جديدة من مختلف أطياف الأمتين من ناحية … وستكون أيضاً عنواناً جاذبا في بعض الأحيان لفئات أخرى تبغي ” البيعة ” … وفي كلتا الحالتين ، ستصبح لهذه الجماهير – مع الأسف – وجهة جديدة ، عنوانها مذهبي وطائفي بغيض ، تتوقد نارها تارةً ، وتخبو تارةً أخرى .. وكل ذلك بعيداً عن فلسطين وابتلاع الكيان الصهيوني لها !

خلاصة القول ، لقد شكل تمدد داعش في العراق ، رافعة صهيوأمريكية حقيقة ، لمشروع حيكت خيوطه بدقة لضرب العناصر الأساسية للدولة بصيغنها الحالية ، والتي يُراد لها أن تنحو نحو مزيد من التقزيم والتقوقع ضمن إيديولوجيات جديدة تحاكي في صميمها مشروع الصهيونية الأم في ” يهودية الدولة ” … الأمر الذي يستلزم اجتثاث هذه الرافعة الجديدة ، وبأسرع وقت ممكن ، لكي لا تدخل الأمتين مجدداً في حرب استنزاف جديدة ، تكون تداعياتها بالتأكيد أفدح من سابقتها في الجغرافيا السورية ، ولأسباب نبحث فيها لاحقاً .