kayhan.ir

رمز الخبر: 3300
تأريخ النشر : 2014July06 - 19:31

العدوان على غزة

د. ناجي صادق شراب

في أدبيات الحرب لا يوجد مصطلح الحرب الأخيرة، ولكن المصطلح يستخدم هنا لدلالاته المجازية، واللغوية في علاقة "إسرائيل” بغزة. وتقوم هذه العلاقة من كون أن غزة باتت تمثل خيار المقاومة، وتتواجد فيها حركات مثل "حماس” و”الجهاد”، وغيرها التي ترفض الالتزام بما تم التوصل إليه من اتفاقات مع السلطة الفلسطينية. وليس معنى هذا أن الخيار العسكري قاصر على غزة، بل هو خيار "إسرائيلي” أساسي في التعامل مع الكل الفلسطيني. فمن الخطأ الاعتقاد بأن الخيار العسكري قاصر على غزة، ففي أعقاب عملية خطف ثلاثة مستوطنين قامت "إسرائيل” بما يشبه العملية العسكرية الكاملة في الضفة الغربية. ومن الأخطاء الشائعة أيضاً اقتصار خيار المقاومة على غزة، وكأن الضفة الغربية لا خيار لها إلا التفاوض. "إسرائيل” تتعامل مع الحالة الفلسطينية كحالة كلية، وإن كانت تولي غزة أولوية الخيار العسكري. فالصورايخ تطلق من غزة، وقيادة المقاومة موجودة في غزة.

وحيث إن الخيار البديل لخيار المقاومة غير متوفر فلا يبقى إلا الخيار العسكري في علاقة "إسرائيل” بغزة، وهو ما يفسر لنا قيام "إسرائيل” بحربين كاملتين على غزة في فترة زمنية قصيرة، لا تقدر على تحملها دول كاملة.

وفي هذا السياق لن يحول قيام حكومة مصالحة فلسطينية دون قيام "إسرائيل” بشن حرب جديدة على غزة لأن أحد أهدافها هو ضرب هذه المصالحة. لكن يبقى السؤال ما هي أهداف "إسرائيل” من أي حرب جديدة على غزة؟ وما احتمالاتها؟ وما شكلها؟ هذه التساؤلات تطرح وبقوة من جديد وخصوصاً في أعقاب عملية الخطف واكتشاف جثثهم، حيث تسارعت تصريحات الحرب، ولتدفع حماس وغزة الثمن، هذا رغم أن الخيار العسكري مخطط وقراره متخذ حتى قبل عملية الخطف.

لكن الخيار العسكري يتوقف على ظروف ومعطيات داخلية وإقليمة ودولية. وللوقوف على فهم السلوك السياسي ل”إسرائيل” يجب أن نؤكد على حقيقة أساسية وهي أن "إسرائيل” دولة قوية، وتعيش في بيئة سياسية وأيديولوجية غير مقبولة، أي بيئة طاردة، لذا تقوم كل خيارات "إسرائيل” على الخيار العسكري، ليس مع الجانب الفلسطيني بل والعربي أيضاً، وهذا السلوك هو الذي يفسر لنا لماذا لا تريد "إسرائيل” السلام أو ترفضه، لأنه يعني إلغاء لخيارها العسكري وهو أساس عقيدتها وأساس بقائها ووجودها. وفي الوقت ذاته إذا كان الهدف من حرب "إسرائيل” على غزة أو أحد أهدافها إفشال المصالحة، فمن مصلحتها بقاء الانقسام الفلسطيني، وهو ما يعني بقاء حماس وغيرها في غزة، لكن بشرط ألا تشكل مصدر تهديد لها، وهنا يأتي الهدف من الحرب المتوقعة على غزة كما الحربين السابقتين، وهو ضرب البنية التحتية للمقاومة، وسلبها قدرتها الردعية، أو القدرة على الرد وصولاً لأهداف سياسية تتمثل في وضع غزة في حالة هدنة دائمة، وهنا قد تلعب بعض الدول العربية التي لها علاقة ب”إسرائيل” في الوصول لهذا السيناريو، لكن المفارقة أن هذه الدول لا تقدر على منع "إسرائيل” من العدوان على غزة، لكن دورها يأتي بعد الحرب.

قد تكون الظروف الحالية الأكثر ملاءمة ل”إسرائيل”، لشن حربها الجديدة على غزة، وقد استغلت خطف المستوطنين الثلاثة، وتهيئة الرأي العام في "إسرائيل” وخارجها، كما أن الوضع العربي المضطرب يوفر لها البيئة المناسبة للعدوان، حيث هناك انشغال بتمدد الإرهاب والتطرف في العراق وسوريا، ودول عربية أخرى.

ودولياً برزت ملفات دولية تعلو على القضية الفلسطينية، وأما الحالة الفلسطينية فهي في أسوأ حالاتها رغم اتفاق المصالحة، و”إسرائيل” من جانبها في قبضة حكومة يمينية متشددة يحكمها السلوك الاستيطاني.

لعل العامل الأهم الذي يدفع في اتجاه العدوان هو الموقف الأمريكي الذي يوفر مظلة لحماية "إسرائيل”.

يبقى أن "إسرائيل” تملك القدرة على إيقاع خسائر كبيرة بشرية ومادية سيكون لها تداعيات خطرة على مستقبل غزة، هذا ما ينبغي استيعابه من أي عدوان، وذلك من الناحية المادية والبشرية لن يكون في المصلحة الفلسطينية، لكن ما العمل إذا كان العدوان هو خيار "إسرائيلي” دائم؟