عون: فلنحتكم إلى الشعب
رولا إبراهيم
لا تشبه إطلالة النائب ميشال عون، أكان من خلال المؤتمرات الصحافية أم عقب اجتماعات تكتل التغيير والإصلاح، إطلالة أي زعيم آخر. فغالباً ما يقابل تكرار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لنفسه ورتابة رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل، بخطاب مفاجئ يتمرد فيه حتى على نفسه: تغريده خارج سرب التحالف الرباعي عند عودته مثال، تبنيه لمشروع القانون الأرثوذكسي مثال آخر، تفاوضه مع تيار المستقبل مثال ثالث.
استحوذ عون مجدداً على انتباه الجمهور والطبقة السياسية معاً، مسجلاً نقطة أولى على خصومه. أطلق مبادرة من خارج "العلبة” التقليدية، تركزت على طرحين رئيسيين: يقترح الأول "إجراء تعديل دستوري محدود يهدف إلى جعل انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب وعلى دورتين: الأولى تأهيلية على مستوى الناخبين المسيحيين، والثانية على المستوى الوطني”، فيما يعيد الطرح الثاني مشروع القانون الأرثوذكسي إلى طاولة مجلس النواب، إذ أكد عون أنه "لا يمكن التوصل إلى المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين إلا من خلال انتخاب كل طائفة لنوابها في الندوة البرلمانية”. وحرص هنا على استباق ردود فعل خصومه القائلة بسعيه إلى إسقاط اتفاق الطائف عبر دعوته إلى تنفيذ هذا الاتفاق بكامله، بما فيه "الشراكة والمناصفة والميثاقية والإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية وسواها”. لذلك، من الضروري "تغيير قانون الانتخاب الذي لا يمنح المسيحيين الحق بانتخاب سوى 17 نائباً” في أقضية المتن الشمالي وكسروان والبترون وبشري فقط، بحسب الجدول الذي وزعه عون على الصحافيين.
لإجراء تعديل ثالث
يتولى تكتل التغيير والإصلاح في الأيام القليلة المقبلة تثبيت أعمدة مبادرة عون عبر جعلها واقعاً من الصعب القفز فوقه. لا خوف هنا من موقف الحلفاء الذين "كانوا سباقين في طرح انتخاب رئيس جمهورية من الشعب، وأول المؤيدين للقانون الأرثوذكسي”، يقول النائب آلان عون. و”سنطلب في هذا السياق من الرئيس نبيه بري إعادة تحريك موضوع القانون الانتخابي للوصول إلى طرح جديد”. أما التسويق للمبادرة سياسياً، فيتولاه، بحسب وزير التربية الياس بو صعب، "مندوبون من تكتل التغيير والإصلاح مكلفون من العماد عون زيارة بعض المراجع الدينية والسياسية، لتسليمهم الطرح ومناقشته معهم”.
يفند بو صعب الأسباب التي دفعت عون إلى القيام بمبادرة إنقاذية، أهمها "تعذر تأمين ثلثي الأصوات لمرشح واحد في مجلس النواب وتعذر توافق الأحزاب على اسم معين”. ووسط هذا العجز، وجد عون في "الاحتكام إلى الشارع المسيحي، الطريقة الأفضل لتحقيق التمثيل المسيحي: أولاً ينتخب المسيحيون المرشحين الأكثر تمثيلاً لهما، وثانياً ينتخب الشعب اللبناني بكل طوائفه رئيس الجمهورية المفترض”. وذلك يتماهى بشكل أو بآخر، وفقاً للوزير، مع "كلام زعيم قوى 14 آذار سعد الحريري حول موافقته على ما يتفق عليه المسيحيون”. إلا أن أول المعلقين على مؤتمر عون من كتلة المستقبل، النائب عمار حوري، رأى أن هذا الاقتراح "يأخذنا إلى نظام رئاسي ربما سيعيد النظر بالمعايير الطائفية والمناصفة، أي يحتاج إلى مؤتمر تأسيسي”. وهنا أيضاً لبو صعب ردّ على مسوقي نظرية انقلاب عون على الطائف والدستور، مذكراً من يهمه الأمر بالتعديلين الدستوريين المنجزين سابقاً لتمديد ولاية رئيس الجمهورية: "نحن لا ننعى الطائف، بل ندعو إلى تطبيقه كاملاً وسدّ الثُّغَر فيه”. لذلك لا ضير من إجراء تعديل ثالث "إذا كان يؤدي إلى إصلاح الخلل الذي عجز الدستور عن حله؛ والدليل عدم قدرة السياسيين على انتخاب رئيس منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان واضطرارنا إلى الذهاب الى الدوحة في عام 2008”. لا يعني ما سبق أن التيار الوطني الحر أقفل باب المفاوضات، "فنحن جاهزون لمناقشة أي طرح آخر يعرض علينا ونسعى لإيجاد مخرج بعيداً عن انتقاد البعض لمجرد الانتقاد”.
"الشعب يريد انتخاب الرئيس”
لم يكد رئيس تكتل التغيير والإصلاح ينهي مؤتمره الصحافي، حتى بدأ انصاره حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي انتشر عليها تعليق موحد: "الشعب يريد انتخاب الرئيس”. الربح الحقيقي في مبادرة عون شعبي يشمل كل الطوائف، لا سياسي، وهو ربما ما تصبو إليه الرابية لقطع الطريق أمام اتفاق دولي ما أو تسوية. إذ يعيد عون المسيحيين، عبر اقتراحه إجراء الانتخابات على دورتين، إلى ما قبل الطائف يوم كانت أكثرية الأصوات المرجحة في حوزتهم. وبغض النظر عما إذا كانت المبادرة تضع اللبنانيين في مواجهة أحزابهم أو لا، يتعذر دستورياً إجراء تعديل مماثل من دون وفاق وطني مسبق عليه، وخصوصاً أن دورة المجلس النيابي العادية انتهت. ويتطلب فتح دورة استثنائية مرسوماً من رئيس الجمهورية (الحكومة في حال غياب الرئيس) يحدد فيه تاريخ بدء الدورة وتاريخ انتهائها وبرنامجها. ويصعب هنا على التيار الوطني الحر تأمين غالبية الثلثين لتمرير هذا التعديل، على افتراض أن الحكومة تؤيد بغالبية ثلثيها المشروع. يقول أحد الوزراء السابقين إن "مبادرة عون ولدت ميتة لافتقارها إلى الإجماع الوطني، إذ من سابع المستحيلات أن يوافق من عارض الطرح الأرثوذكسي (تيار المستقبل والحزب الاشتراكي) أن يمنح المسيحيين أضعاف ما أرادوه عبر قبوله بتزكية المسيحيين لمرشحيهم الرئاسيين”. وكان يمكن تالياً القوات أن تترك الحريري هذه المرة يخوض غمار إسقاط "الصلاحيات المسيحية” وتوفر على النائب أنطوان زهرا عناء تكرار كلام حوري نفسه. علماً أن معراب كانت قد بادرت سابقاً إلى التعليق على مبادرة عون التي سبق أن نشرتها "الأخبار”، خلال مقابلة لرئيس جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي على شاشة المستقبل. يومها، تفوق رياشي على نفسه ورئيس حزب القوات عبر موافقته على انتخاب رئيس من الشعب "المسيحي والسني والدرزي”. أما الشيعة، "فلا يمكن إشراكهم في أمر مماثل إلا عند تحررهم من أثر السلاح”!
على المقلب الآخر، رأى وزير العمل الكتائبي سجعان قزي في حديثه لـ”الأخبار” أن طرح عون "قد يكون مفيداً في مرحلة لاحقة عند البحث عن إصلاحات دستورية. ولكن الهدف الوحيد اليوم هو انتخاب الرئيس ولا يمكن لنا القبول بإصلاح دستوري من دون حضوره، لأن أي إصلاح بغيابه يكون غير دستوري”. لذلك، "تنقلنا هذه المبادرة من التعديل على قياس الطوائف إلى التعديل على قياس الأشخاص، ونتمتى على عون حضور جلساث الانتخاب عوضاً عن البحث في طروحات مستحيلة”.
ورأى وزير الاتصالات بطرس حرب، أن هم رئيس تكتل "التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون الوحيد ألا ينتخب رئيس إلا هو. وإذا لم ينتخب هو، فهدفه تعطيل الانتخابات. وقال: "عون ماروني وأنا ماروني، فإذا خضع انتخاب رئيس الجمهورية للاستفتاء الشعبي، ألا يكون بذلك قد تم خرق موضوع التوازن والمناصفة، وأخضع الانتخاب لقرار الأكثرية العددية؟ وهل العماد عون مستعد لتحمل تبعات ذلك؟”.
من جهته، أصدر رئيس الحكومة السابق النائب نجيب ميقاتي بياناً قال فيه إن "الطرح الذي قدمه عون يشكل انقلاباً فعلياً، ليس فقط على الدستور اللبناني واتفاق الطائف، بل أيضاً على المسيرة السياسية التي قام بها عون منذ عودته إلى لبنان ومشاركته الفعلية في كل الحكومات والانتخابات النيابية”. أما منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، فلفت في حديث إذاعي إلى أن "هذا الاقتراح يدعو إلى قيام ما سمّاه مارونستان”، سائلاً: "هل حظي عون بدعم إسرائيل ونتنياهو؟”. وأكد سعيد أن "ما طرحه عون مغامرة تهدد كل الوجود المسيحي في المنطقة ويحملنا مسؤولية مواجهة المسيحيين في لبنان مع المسلمين والرأي العام الإسلامي في المنطقة”.