kayhan.ir

رمز الخبر: 1802
تأريخ النشر : 2014June09 - 20:45

كيري في بيروت: إدارة الفراغ

حبيب فياض

من المسلّم به أن أيا من الفريقين الآذاريين في لبنان لا يستطيع منفردا ان يأتي برئيس للجمهورية، كما أنّ كلا منهما يستطيع منع أي مرشح من الوصول إلى سدة الرئاسة. الأمر نفسه ينطبق على اللاعبـَين الإقليميين، السعودية وإيران، حيث لا رئيس للبنان من دون التوافق بينهما، أو على الأقل، عدم اعتراضهما على المرشح للوصول إلى كرسي بعبدا.

وسط هذه الأجواء، يأتي السؤال عن دخول واشنطن المباشر على خط الاستحقاق الرئاسي. فهل تخلق زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى بيروت، معطى جديداً يساعد على تخطي أزمة الفراغ. ام هي مجرد زيارة للتعامل مع هذه الأزمة شكليا بعيدا عن المبادرة والدفع باتجاه الحل؟

يرى البعض ان عودة الاهتمام الأميركي بالوضع اللبناني، قد تساهم في الخروج من أزمة الاستحقاق الرئاسي، في حين أن مساعي واشنطن، في الواقع وحتى اللحظة، لا تتعدى كونها محاولة لمنع مخاطر الفراغ، من دون أن يتلازم ذلك مع العمل على ملئه. بمعنى أن جهد الديبلوماسية الأميركية سوف يتمحور، في حال حصوله، على تجنب الأسوأ الممكن، وليس بالضرورة إنتاج الحلول والتسويات.

فزيارة كيري إلى بيروت، لم ترتق إلى مستوى المبادرة، وخلت من اي دلالة على ان واشنطن تحمل تصورا محددا للتعامل مع ازمة الرئاسة. الرجل لم يطرح مرشحا، ولم يعترض على اي من المرشحين، بل اكتفى بحض اللبنانيين على الإسراع بإجراء الانتخابات الرئاسية، من دون أن تصدر عنه أي إشارة توحي بإمكان الخروج قريبا من نفق الاستحقاق. وفي سياق التدليل ضمنا على أرجحية الفراغ، أكد كيري على أهمية صلاحيات الحكومة وتعزيز دورها، من دون ان تغيب عنه الإشادة بدور الرئيس نبيه بري والتأكيد على ضرورة تفعيل مجلس النواب.

المتفائلون في قراءة هذه الزيارة، لا تتخطى توقعاتهم محاولة الإدارة الأميركية تلمس الأزمة اللبنانية عن قرب، واستجماع المعطيات بهدف صوغ تصور للحل يجري العمل به خلال المرحلة المقبلة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة انفراجا قريبا أو حلاً مضموناً.

بالمقابل فإن المتشائمين في القراءة يذهبون إلى حد اعتبار الزيارة من قبيل رفع العتب، وتهدف إلى إعادة تظهير الاهتمام الأميركي الأقل اكتراثا بالشأن اللبناني وفق حجمه الطبيعي، بعيدا عن الرهانات المسترسلة في توقع إمساك واشنطن بزمام المبادرة والدفع نحو الحل.

ومهما يكن، يبدو ان واشنطن ما زالت عند تفويضها الشأن اللبناني للمملكة السعودية إرضاء لها عن انزعاجها من التفاهم النووي بين إيران والغرب، ما يعني ضمنا، بقاء المسألة اللبنانية، بما فيها الاستحقاق الرئاسي، خاضعة للرؤية السعودية التي لا تريد فصل هذه المسألة عن سلة خلافاتها الإقليمية مع طهران.

إذن، لا يبدو أن ثمة انفراجاً قريباً لأزمة الرئاسة الأولى في لبنان. محاولات التوافق داخليا ، بين تياري "المستقبل” و”الوطني الحر”، على شخص الجنرال عون مراوحة لا طائل منها. المدخل الوحيد للخروج من الأزمة هو البحث عن شخصية وسطية يجري التوافق عليها.

ذلك أن الرهان على أي مرشح من داخل الاصطفافات القائمة يعني حكما تمديد أمد الفراغ وبالتالي وضع لبنان أمام خطر الانتقال من فراغ الرئاسة إلى الفوضى. صحيح أن التوافق داخلياَ على رئيس وسطي، ليس شرطاً كافياً لتجاوز الأزمة لكنّه، شرط لازم لإنتاج الحلّ. وهذا ما يجب فعله لبنانياً بانتظار حلحلة العقدة الإقليمية، لأنه في غير هذه الحالة سيطول أمد الأزمة، وعندئذ قد لا يقتصر الفراغ على موقع الرئاسة، بل من الممكن ان يتحوّل إلى انهيار يطاول الدولة برمتها.