هل رحل الأسد؟
أحمد الحباسي
أدفع عمري لأشاهد وجه بعض المتآمرين على الشعب السوري من الخليج الفارسي أو في هذا المطبخ السياسي الصهيوني الأمريكي الذي خطط و نفذ بأيادي الإرهاب التكفيري كل تضاريس هذه المؤامرة القذرة على الشعب السوري ، في المقابل ، أدفع عمري أيضا لأشاهد وجه سماحة السيد حسن نصر الله و هو يشرف شخصيا على تفاصيل معركة المصير بين المقاومة و أعداءها في لبنان و في العالم العربي و الغربي ، لكن اكتفى هذه المرة ، و كالعادة ، بمتابعة الوجه الشاحب للسيد أوردغان ، و محاولة قراءة ما يحدث في ذهنه من زلزال بعد أن نجح الرئيس الأسد في حرب البقاء و الصمود حتى لا تدوس الساق التركية المسمومة ، لا قدر الله ، مدخل الجامع الأموي في دمشق .
السيد أوردغان لا يملك شجاعة الاعتراف بالهزيمة ، هذا مؤكد ، و في كل الأحوال فهو جبان سياسيا تحت كل العناوين ، في عرف الشعب الياباني مثلا ، يغرز المنهزم سيفه داخل جسمه في حالة تعبير قصوى عن مدى إحساسه بذل الهزيمة و حتى يرفع عنه بعض الشيء ما يحس به من عار ، لكن كل رموز حزب العدالة التركي لا يملكون هذه الشهامة و هذا النبل ، و الإخوان المسلمون بطبعهم جبناء و لا يفقهون إلا لغة الغدر ، لكن من المؤكد أن مشهد الانتخابات السورية موجع و مؤلم و لا يحتمل بالنسبة لكل "أصدقاء سوريا” ، و من المؤكد أيضا أن " الرفاق” حائرون ، يتهامسون ، يتساءلون ، هذا الأسد ، من يكون ؟ .
من يقول تركيا ، يقول حزب العدالة و التنمية ، و من يقول هذا الحزب يقول الإخوان المسلمين ، و من يقول الإخوان يقول الصهيونية ، نفس السفينة و نفس الاتجاه، لذلك فإسرائيل أيضا ، لا تنام كما كانت تتمنى في بداية المؤامرة على الشعب السوري ، إسرائيل التي انهزمت في عدوان تموز 2006 تلك الهزيمة المدوية لم تنم إلى الآن رغم قيامها بما لا يقل من سبعة مناورات شملت كل القوات الصهيونية ، و انتصار الأسد سيرفع النوم من العيون الصهيونية نهائيا ، و لن تكفى إسرائيل كل المناورات ذات التسميات المختلفة و لا بناء "قبة” حديدية تحميها من الغضب السوري ، فالأسد خرج من المؤامرة " جائعا " ، و لن يكتفي هذه المرة بإدارة الحرب ضد الاحتلال عن بعد كما كان الحال في تموز 2006 .
لا أدري لماذا يمتلكني إحساس بالغثيان عند الحديث عن محمية قطر ، رغم أنني لا أعانى من أعراض مرض البحر ، لكن مجرد تلمح وجه الشيخ حمد أو من شابه من "صبيانه” ، يدفعني دائما إلى محاولة الالتفات إلى الجهة المقابلة احتقارا ، فلا شيء في مملكة هلوسة داء الغرور يستحق الذكر ، و لا شيء في هذا النظام يستحق الاحترام ، و مع ذلك أتساءل ، كيف يتعامل هذا العميل المشارك في جريمة قتل الشعب السوري مع مشهد الانتخابات الرئاسية السورية ، ما هي مشاعره ، رغم إدراكي بعدمية مشاعر الخونة ، و هو يشاهد على الهواء مباشرة المواطن السوري يباشر حقه الانتخابي لرئيس بذلت دول متآمرة عديدة الغالي و النفيس حتى لا تشاهد هذه الموقعة التاريخية المعبرة ، ثم لماذا لا يخرج هذا " الأمير المتقاعد " إلى الناس معترفا بالهزيمة متحملا المسؤولية عن وصم الشعب القطري الشقيق بداء الخيانة ، لماذا يصمت الشعب القطري على جنابة حاكمه أم أن هذا الشعب تنطبق عليه المقولة الشهيرة ، "كما تكونون يولى عليكم " .
وقف ملك الأردن و نظامه الفاسد مع المؤامرة الدموية على الشعب السوري ، هذا ليس جديدا ، فكل ملوك الهاشميين عملاء للصهيونية العالمية ، وصف ملك الأردن سوريا و نظامها بكونها جزءا من الهلال الشيعي محاولا إحراج النظام بهذا التوصيف إرضاء لحكام الخليج الفارسي و للوبي الصهيوني ، و المتابعون يعلمون أن هذا النظام المتآكل العميل قد فعل كل شيء لإسقاط النظام و إراقة دم الشعب السوري ، بالمحصلة فاز الرئيس الأسد في موقعة الكرامة و سقط ملك الأردن ، و بالمحصلة يدرك الشعب الأردني أن صبر كل الشعوب العربية قد نفذ بعد أن فرط الملك في العروبة و في المصلحة العربية و في شرف الأردن ، و لو لم نكن نعلم يقينا شهامة هذا الشعب لأسقطنا نفس المقولة " القطرية " السابقة على شعب نكن له كل الاحترام .
لا أريد الحديث على نظام آل سعود ، كل ذلك من باب احترام الذوق العام ، من باب احترام القارئ ، و احترام هذه المساحة ، لكن لا أملك الصمت و الشعب السوري قد حقق انجازا تعجيزيا كشف كل عورات هذا النظام و مساهمته في تنفيذ مؤامرة الإرهاب و القتل في سوريا ، لم يعد بالإمكان قرن النظام بالعروبة ، بالإسلام ، بالمقدسات أو بحمايتها ، و لم يعد هناك مكان في هذا الوجدان العربي لمساحة "سعودية” تحت أي عنوان ، فهذا النظام لا يخجل من الحقيقة ، و من الهزيمة ، بل له قدرة عجيبة على ابتلاع الهزائم المخجلة المتكررة دون أن يشعر بضيق في التنفس ، قدرة غير مسبوقة على تحمل السخط العربي بل لنقل أنه من الأنظمة القليلة في العالم الذي خسر كل الحروب التي شارك فيها سواء ك”بطل” أو كومبارس ، و هذه المرة ، لن يخجل ، لن يخجل ، لن يخجل ، و سيبقى يردد السؤال ، هل رحل بشار الأسد ؟