kayhan.ir

رمز الخبر: 85043
تأريخ النشر : 2018November05 - 19:45

أوهام اسرائيلية من الزمن الغابر


جهاد حيدر

لم يكن أمراً مفاجئاً ترحيب نتنياهو بالعقوبات الأميركية على ايران، بل لن يكون غريباً اجراء احتفال رسمي، على هذه الخلفية، في المجلس الوزاري المصغر. لذلك كان وصفه لقرار فرض العقوبات، بالخطوة التاريخية، انعكاساً طبيعيا لما يدور في "تل ابيب"، من أجواء ورهانات وتقديرات.

منشأ الارتياح الاسرائيلي يعود الى أن ما قامت به ادارة ترامب بالخروج من الاتفاق واعادة فرض العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الاسلامية، هو في الواقع تصدي أميركي مباشر لها بالنيابة عن الكيان الاسرائيلي في ظل ضيق خياراتها وتحديدا بعد الانتصارات التي حققها محور المقاومة، والانجازات العلمية والصاروخية والاشواط التي حققتها على طريق الاكتفاء الذاتي.

على مسار آخر، تتعمد القيادتان السياسية والامنية في "تل ابيب"، إظهار رهاناتها على فعالية العقوبات الاميركية، باعتبارها الخيار البديل الذي سيحقق لها ما كانت تأمله، وأياً ما كانت حقيقة قناعتهم في "تل أبيب"، بما ينسجونه من سيناريوات، الواقع أن هذا النوع من الرهانات هو السائد الآن في الكيان الاسرائيلي، ويتم التعبير عنها على ألسنة كبار المسؤولين. ومن أبرزها ما صدر على لسان نتنياهو الذي رأى بأن أثر العقوبات "أصبح ملموساً، الريال في الحضيض واقتصاد ايران في الحضيض، ونحن نرى النتائج على الارض". وايضا على لسان رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية أمان، العميد درور شالوم.

سلة الرهانات الاسرائيلية تتمحور في جوهرها على فعالية العقوبات الاقتصادية بهدف دفع الشعب الايراني للانقلاب على النظام الاسلامي

شكَّلت التقديرات التي قدَّمها شالوم الأساس الذي يستند اليه المستوى السياسي، في تبرير نهجه ورهاناته واتسمت ايضا بالتفاؤل المفرط ازاء مفاعيل العقوبات الاميركية على ايران. حيث رأى أنها ستؤدي الى "دراما كبيرة في الساحة الايرانية والى تدهور الوضع الاقتصادي". وأن "الضغط الخارجي بامكانه أن يؤدي الى قلب النظام أو تغيير سياساته".

في مواجهة هذا النوع من التقديرات ينبغي التذكير بحقيقة، يسلمون بها في "اسرائيل" ايضا، أن الاستخبارات سبق أن فشلت في تقديراتها في أكثر من محطة مفصلية بدءًا من ايران نفسها، وصولا الى سوريا وحزب الله في لبنان. بل فشلت اجهزة الاستخبارات في أكثر من محطة تتعلق بالشعب الفسطيني في الداخل، الذي يفترض أنه تحت رقابتهم الامنية المتواصلة. والمثال الأبرز الأحدث على هذا الفشل المدوي كانت الساحة السورية. بدءًا من فشل توقعهم بسقوط الرئيس الاسد خلال أسابيع أو أشهر، مروراً بتدخل حزب الله ومفاعيل هذا التدخل على المجريات الميدانية، وصولاً الى التدخل العسكري الروسي، واخيرا الانتصار على الجماعات الارهابية. ويفترض أن الاستخبارات الاسرائيلية كانت تُركِّز على تطور الاحداث السياسية والميدانية المتصلة بالساحة السورية، خاصة وأنها تنطوي على تأثيرات مباشرة على الأمن القومي الاسرائيلي.

الجمهورية الاسلامية باتت أكثر قوة وتطورا بقدراتها الذاتية والصاروخية

بالتأكيد أن هناك محطات ناجحة جدا في تاريخ الاستخبارات الاسرائيلية وأنها تتمتع بقدرات وكفاءات كبيرة، لكن في ضوء هذا المسلسل من التجارب الفاشلة، من غير المنطقي الركون بشكل تلقائي الى تقديراتها التي قد يدخل فيها ايضا، الاعتبارات السياسية وامكانية أن تكون جزءًا من الحرب النفسية. ومن المعلوم في الكيان الاسرائيلي أيضا أن الاستخبارات قد تلعب أحيانا دور المقاول للمستوى السياسي، بمعنى أن القيادة السياسية عندما تنتهج خيارا معيناً، وتراهن على تطورات محدّدة، تقوم الاستخبارات ايضا بالترويج لتقديرات تبرر هذا المنهج.. وهو مفهوم ساد في الكيان الاسرائيلي منذ ما بعد حرب العام 1973.. واتهمت به الاستخبارات في أكثر من محطة.

في كل الأحوال، من الواضح أن سلة الرهانات الاسرائيلية تتمحور في جوهرها على فعالية العقوبات الاقتصادية بهدف دفع الشعب الايراني للانقلاب على النظام الاسلامي ووضعه أمام خيارين، إما السقوط أو التنازل في خياراته الاستراتيجية. لكن مشكلة هذا التقدير أنه يستند الى تصورات حول الوضع الاقتصادي قد تكون تنطبق على ايران في الثمانينات، ويتجاهل نجاح الجمهورية الاسلامية في بناء جيل من الشباب أكثر التفافاً وتمسكاً بهوية النظام ومبادئه وخياراته، واستناداً الى هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة استطاع النظام الصمود في مواجهة التحديات التي مر بها طوال العقود السابقة. ويتجاهل ايضا حقيقة أن الجمهورية الاسلامية باتت أكثر قوة وتطورا بقدراتها الذاتية والصاروخية، وايضا بكونها على رأس محور يمتد من طهران الى الجنوب اللبناني، يقوى بدعمها واحتضانها، وتتعزز مكانتها الاقليمية ونفوذها بوقوفه الى جانبها.