kayhan.ir

رمز الخبر: 83665
تأريخ النشر : 2018October10 - 19:38

ماذا ينتظر وليد جنبلاط؟:


ناصر قنديل

– الإشارات التي صدرت عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حول تهيئه للإقدام على خطوة نحو مسار التسوية الخاصة بتشكيلة الحكومة الجديدة، توحي بإدراك جنبلاط أن الجميع سيذهبون في النهاية إلى التسوية والتنازلات، وأن مَن يبقَ إلى آخر صف المتقدّمين فسيدفع الثمن الأكبر وسيتحمّل الخسارة المعنوية عن الجميع، فيما يعرف أنه أقلّ المستفيدين من التموضع على خط العرقلة، وأكثر القادرين على التخفّف من أسباب التشدّد .

– يعرف جنبلاط أنه يسير إقليمياً بعكس الرغبات الأميركية والسعودية التي يسعى حليفاه في المستقبل والقوات اللبنانية لمواكبتها. فهو رغم وقوفه في خندق التحفظ على سلاح المقاومة والعداء للدولة السورية، يسير عكس اتجاه المواقف الأميركية والسعودية ولا يستطيع مجاراتها. فعداؤه للدولة السورية لم يعد له قيمة في حسابات واشنطن والرياض الذاهبتين لتموضع جديد في العلاقة بالدولة السورية سرعان ما سيبقيه وحيداً بين العازفين على وتر العداء للدولة السورية، بينما إصراره على علاقة تفاعلية وتشاركية مع حزب الله، ورفضه سياسة العزل والتصعيد التي تنتهجها واشنطن والرياض ضد الحزب لا تضعانه في مركب الذين يمكن الرهان عليهم لاستخدام اللعبة السياسية اللبنانية لإضعاف الحزب، بل ربما في لحظات حاسمة في ملفي سورية وحزب الله يشعر جنبلاط أنه صار عبئاً على السياستين الأميركية والسعودية، وأن ما يلقاه من تشجيع للتشدد الحكومي اليوم ليس إلا تقاطع منتصف الطريق المخادع، الذي سرعان ما سيسحب أحد الطرفين منه يدَه عندما يبلغ أهدافه أو بعضها، أو عندما يستشعر اقتراب الآخر من بلوغ أهدافه أو بعضها.

– يعرف جنبلاط أن لكل من حليفيه المستقبلي والقواتي حساباته، التي تدعوه لليقظة كي لا يكون آخر الذاهبين للتسوية. فهو الذي يتقاطع مع الرئيس سعد الحريري في مقاربة ملفي سورية وحزب الله، بصورة لا تجعلهما موضع رضا سعودي أميركي، ومهما كان الظاهر الراهن معاكساً، فهو مخادع، بينما تشكل القوات الجهة المحلية الوحيدة التي تلبي متطلبات الموقفين الأميركي والسعودي بموقف تكتيكي سلبي من العلاقة بسورية وموقف استراتيجي عدائي من سلاح حزب الله، بعكس المستقبل والاشتراكي، حيث منسوب العداء للعلاقة بالدولة السورية صار بمنسوب أعلى مما ترغبه الرياض وواشنطن، مقابل اتهامهما بالتخاذل بشأن الموقف من حزب الله وسلاحه. أما في الشأن الداخلي فيعرف جنبلاط أن العقدة الحقيقية هي قواتية، حيث تحضر معركة رئاسة الجمهورية مبكراً في علاقة القوات بالتيار الوطني الحر ومعها التنافس المباشر على الساحة نفسها، والتموضع المتعاكس بينهما على خطوط الخيارات الإقليمية والدولية، بينما في الشأن الداخلي يفترق جنبلاط عن حليفه المستقبلي كون الحريري جاهزاً للانعطاف قبله نحو تعويم التسوية التي جمعته بالتيار الوطني الحر قبيل الانتخابات الرئاسية. وهو قد فعل ذلك سابقاً يوم ذهب لهذه التسوية غير آبه بحلفائه وفي مقدّمهم جنبلاط نفسه.

– في المقابل يعرف جنبلاط أنّه يملك علاقة مميّزة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تشكل بوليصة تأمين صالحة للتسييل في كلّ منعطف مصيري، وأنّ علاقته بحزب الله منفصلة عن مسار علاقة الحريري وتملك قواعدها المستقلة والخاصة، وبعيدة عن القلق، لكنه يعرف أكثر أنّ عناصر التعقيد الحكومي التي يتشدّد عندها لا قيمة جدية لها بالقياس للحساب السياسي العميق الذي يتقنه جنبلاط في معادلات الداخل، طالما أنه واثق بأنّ طريق دمشق المختارة مقفل في الاتجاهين، وأنّ التهدئة على هذه الجبهة تمهّد الطريق لتخفيف الأعباء من طريق تقدّم نجله تيمور، الذي يشكل مشروعاً شخصياً لجنبلاط، كما تخفف الأعباء عن كاهل كلّ من الرئيس بري وحزب الله في مراعاة الخصوصية الجنبلاطية، لكن جنبلاط يدرك مع متغيّرات المنطقة أنّ هناك رابحاً وخاسراً، وأن لا مصلحة له أن يقف في حلف الخاسرين، حتى لو علم أنه لن يكون في حلف الرابحين.

– في الحسابات الجنبلاطية الأهم، وهي حسابات الجبل الطائفية والسياسية، يدرك جنبلاط أن التاريخ الدموي في الجبل يرتبط بصورة مباشرة بالعلاقة بين حزبه وحزب القوات، وأن من يعتبرهم خصوم اليوم درزياً ومسيحياً، ليسوا إلا تيارات مسالمة في الجبل، وأن ترسيخ العلاقات الطبيعية والهدوء والاستقرار في الجبل، له طريق واحد وهو الانفتاح بعلاقة تصل حد التحالف مع ثلاثي التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو هدف ليس مستحيلاً، وطريقه سهل ايضاً، وهو التيقن من أن مقاربة الشأن الحكومي بعين السعي للتسويات التي تضمن حقوق الجميع، تستطيع أن تشكل دعوة جنبلاط لحل المأزق الحكومي، فيقود حركة انفتاح جريئة بمبادرة منه نحو الفرقاء الثلاثة معلنا الاستعداد للتفاعل إيجاباً مع مطالبها الحكومية، كرصيد سياسي يعيد لجنبلاط المكانة القيادية في اللعبة السياسية، يشكل الرأسمال الذي يضعه جنبلاط على الطاولة في العلاقة بهذه الأطراف التي يصنع معها معادلة الجبل، ويشكل ورقة قوة بيد الرئيس بري وحزب الله والرئيس ميشال عون لحماية الموقع الذي يريده جنبلاط لنجله تيمور، وجعله خارج التجاذبات القائمة والمقبلة، مع مَن يتشارك معهم اليوم لغة التشدد، ويريدون للحالة الجنبلاطية أن تكون آخر القادمين إلى التسويات، لتدفع أثمانها، وتتيح لهم استثمارها حتى الثمالة.