kayhan.ir

رمز الخبر: 82222
تأريخ النشر : 2018September14 - 20:00

العلاقة الأميركية - التركية بأبعادها السورية


عبير بسام

ليس هناك أي أمل يرجى من الاجتماعات التي تجمع بين تركيا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى. فتركيا تماطل، وهي تقع ما بين نار حلفائها القدامى في الحلف الأطلسي ومشروع الحلفاء الجدد ( إيران وروسيا)، والذين تناور معهم، وهم لاعبون جيدون في السياسة وخبراء في سياسة النفس الطويل.

لكن في الحقيقة، تركيا تحاول المناورة في الوقت الضائع في مرحلة الخلاف مع الأميركيين. فهي كنظام سياسي، لا يمكنها أن تخرج عن التوافق مع الأميركي. وتعتبر أن العلاقة مع أميركا أهم بكثير من العلاقة مع دول الجوار. وأن وجود تركيا في الحلف سيشكل حجر عثرة في إقامة علاقات جيدة ما بين تركيا من جهة وما بين إيران وروسيا وسوريا من جهة أخرى. خاصة وأن التدخل التركي في سوريا جاء بموجب قرار من الحلف الأطلسي. ولكن، إن أي تخلخل في العلاقة مع أمريكا سيؤثر بشكل سلبي على العلاقة مع روسيا، لأن ذلك سيضعها في موقف أضعف أمام الروس.

تركيا، غير القادرة على حسم خيارها السياسي بين دول العالم، لا تزال تتخيل أن موقعها الجغرافي يمنحها الأهمية ذاتها، التي كانت تحتلها قبل انهيار الاتحاد السوفياتي. ومن جهة أخرى، فإن تدهور العلاقة التي شهدتها مع الولايات المتحدة في الأشهر السابقة، جعلها تبحث عن بدائل أخرى. فمن جهة هي ما تزال تصبو إلى استعادة علاقتها مع أميركا عافيتها، بعد أن ساءت في الفترة السابقة. وسوء العلاقات الأميركية - التركية مرده أساساً إلى الخطوة التي اتخذتها تركيا بالإنقتاح على روسيا بعد قصف الطائرة الروسية الحربية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر في العام 2015، فوق الأراضي السورية، والذي رسم حدود التحرك التركي فوق وعلى الأراضي السورية بعد أن كانت تصول وتجول تارة فوق الموصل وتارة أخرى فوق حلب وإدلب وكنسبا في شمال اللاذقية وتدعم المجموعات المسلحة فيها منذ بداية الحرب على سورية. من هذه المنطقة بالذات يأتي الهجوم الذي حدث منذ بضعة أيام على مدينة اللاذقية واستشهد من جرائه العديد من المواطنين وجنود من الجيش السوري. وما يزال الجيش السوري يحشد قواته في كنسبا من أجل القضاء على إرهابيي "جيش الفتح" ذي الأغلبية التركمانية فيها. في حين أن التركمان الموجودين فيها يحاولون تحريرها من أجل إعادتها إلى كنف الدولة التركية العثمانية. أي أن تركيا ما تزال تناور من أجل السيطرة على الأراضي السورية التي يعتبرها امتداداً للواء اسكندرون.

حاولت كل من إيران وروسيا كسب الود التركي من خلال محادثات أستانة وفي تشرين الأول/ اكتوبر من العام 2017. وكان من المفترض أن يشكل ذلك التزام الدول الثلاث باستقلال وسيادة وسلامة الأراضي السورية، والذي لم تحترمه تركيا عندما توجهت واحتلت كلًّا من منبج وعفرين بحجة وقف المد الكردي. كان الهدف من أستانه استيعاب تركيا ومحاول إبعادها عن النفوذ الأميركي، ولكن يبدو أن ذلك قد زاد من العنجهية التركية، التي تظن أن لا حل في سوريا بدونها، وبالتالي لا حل في إدلب اليوم بدونها. وفي الحقيقة فإن تركيا مهما تمردت لا تستطيع أن تتخذ أي قرار يتعارض مع القرار الأوروبي والأميركي الذي يرفض البدء بمعركة إدلب. فالوضع بات في غاية التعقيد، ولكن الحل بسيط في الحسابات السورية والروسية. غير أن الحل البسيط يمكن أن يعقد الأمور مع الأتراك الذين ينتظرون الأمر من الأميركي، والذين لم يكونوا يوماً خارج دائرة القرار الأميركي - الأوروبي فتركيا عضو في الحلف الأطلسي منذ العام 1952، أي منذ إنشاء حلف بغداد.

بدأت العلاقات مع أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، منذ العام 1947 حيث أقر الكونغرس الأميركي المساعدات الاقتصادية والعسكرية لتركيا في مواجهة الاتحاد السوفياتي في عهد الرئيس ترومان. ومنذ ذلك الوقت، تحتل تركيا مكانة خاصة في العلاقات مع الولايات المتحدة، فهي ساندتها في الحرب الكورية، وفتحت لها أجواءها في الحرب على أفغانستان، واليوم الداعم الأساس للحرب على سوريا، وبالتالي فهي ظهيرها في منطقة الشرق الأوسط. غير أن المحادثات التي تقودها تركيا مع إيران وروسيا اليوم تجعل العلاقة ما بين الأميركيين والأتراك علاقة تشبه "أحبك- أكرهك". ففي حين ترى تركيا ان من مصلحتها بناء جسور للعلاقة مع الدولتين اللتين تقفان إلى جانب سوريا المنتصرة، وخصوصاً عندما أعلنت تركيا أنها ستشتري النفط الإيراني بعد العقوبات الإقتصادية الجديدة التي فرضها ترامب على إيران، والخروج من الاتفاق النووي، ورفض سوريا خروج المستشارين الإيرانيين العسكريين منها. فإن أمريكا ترى بأن هذا يقوض السلطة المطلقة التي كانت تتمتع بها في تركيا. ولذلك فقد حاولت تنبيهها من خلال اللعب على سعر الليرة التركية، والتهديد بمراجعة لدورها وأهميتها في الحلف الأطلسي، وبما يتبع ذلك من عقوبات اقتصادية. هذا التنبيه قرأته تركيا جيداً، وفي وقت كان يشهد فيه الوضع الاقتصادي تحسناً كبيراً في ظل حكومات العدالة والتنمية منذ العام 2002، فإن هذا الحزب لا يستطيع أن يستمر في الحكم دون تحسن مستمر للاقتصاد التركي. كما أن إرسال البنتاغون لمئة عنصر من المارينز من أجل تدريب "قوات سوريا - معتدلة"!- خلال الأسبوع الماضي يرسل رسائل واضحة بأن الأميركيين ما يزالون نشطاء في الحرب على سوريا.

وفي النتيجة، ما تريده تركيا ومن معها هو حصة ضمان المشاركة في بناء سوريا بعد الحرب. وخاصة بعد الجهود التي تبذلها الدولة السورية لتعيد إلى حلب، أهم مركز صناعي في الشرق الأوسط، ألقها الذي كانت عليه، والتاريخ يشهد على أن حلب كانت تعرف عبر التاريخ كيف تنهض من تحت الرماد. كما أن الدولة السورية لن تسمح للبضائع التركية أن تغزو أسواقها من جديد وخاصة صناعة الأثاث، ففي العام 2012 بعد خروج مظاهرات في عربين وزملكا في ريف الغوطة الشرقية، زارت وزيرة العمل السورية، ديالا الحج عارف، بلدة عربين واستمعت إلى مطالبهم، بأنهم لا يستطيعون منافسة الأثاث التركي الرخيص والقصير العمر، فوعدوا بوقف استيراد الأثاث التركي. تركيا لن تستطيع أن تعود إلى سوريا من بوابة الاقتصاد كما كانت قبل العام 2011. وهذه المعطيات بعدم المشاركة لم تتغير في لقاء قمة بوتين - روحاني - أردوغان في طهران. فتركيا لا تملك الأموال من أجل إعادة الإعمار ولا حتى الخبرة التي تميزها عن غيرها في هذا المجال. ولذا فقرارها لا يمكن أن يخرج عن القرار الأميركي المرتبطة معه بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية.