kayhan.ir

رمز الخبر: 71965
تأريخ النشر : 2018February18 - 21:17
في ذكرى استشهاد المغصوبة حقها أم أبيها..

فاطمة طالبت بحقيقة فدك وليس بأرضها فلم يتحملوها

* جميل ظاهري

أخذ رسول الله صلى الله عليه آله وسلم يوماً بيد أبنته فاطمة عليها السلام في جمع من أصحابه، وقال مخاطباً إياهم: "وأما أبنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، ونور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي... وإني لما رأيتها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأني بها وقد دَخل الذل بيتها، وأنتهكت حرمتها، وغُصبت حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها..."- جاء في فرائد السمطين: ج 2 ص 34-35 والأمالي للشيخ الصدوق ص 99- 101 وإثبات الهداة: ج 1 ص 280 -281 ، وإرشاد القلوب ص 295، وبحار الأنوار: ج 28 ص 37 -39، وج 43 ص 172- 173، والعوالم: ج 11 ص 391 و392، وفي هامشه عن غاية المرام ص 48 والمحتضر ص 109، وجلاء العيون للمجلسي: ج 1 ص 186- 188 وبشارة المصطفى ص 197- 200 والفضائل لابن شاذان ص 8- 11، وتحقيق المحدث الأرموي.

أستعرض بذلك رسول المودة والمحبة والرأفة (ص) ما سيقدم عليه القوم من بعده من مظالم وإجحاف وغصب للحق والدين والحقيقة والعودة الى القبلية الجاهلية بعد أن أنقذهم ظلمتها ووحشيتها وبراثنها ومساؤئها، وتمعنهم في التنكيل بأم أبيها وفلذة كبده الزهراء البتول (ع) وبعلها وبنيها الواحد تلو الآخر عليهم السلام أجمعين، وجسدوا كل ما قاله رسول الله (ص) من قبل من يطلق على نفسه عنوان الصحابي.

فما أن أغمض رسول الله (ص) عيناه حتى إنهال أهل المدينة حقداً وضغينة وعنفاً وجوراً وظلماً على أهل بيته وذريته الأطهار (ع) رغم أنه أوصاهم بهم قائلا: "أني تاركم فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا"، ولكن ما جرى على البضعة الطاهرة سيدة نساء العالمين الصديقة فاطمة (ع) ومنذ اللحظة التي فارقت فيها روح أبيها جسده الطاهر دفعها بالشكوى لوالدها والبكاء والنحيب عليه ليل نهار.

أرادت سيدتنا فاطمة الزهراء (ع) ببكائها على أبيها (ص) في تلك الأيام، أن تشد المسلمين آنذاك للنبي (ص) ووصيته ونهجه الإلهي القويم، وإعادة الأمة لمسارها الروحي التي كانت عليه زمن النبي(ص) وهو ما يتجسد اليوم عبر بكاء ونحيب وعويل النساء والأمهات الثكالى واليتامى الذين فقدوا آباءهم وأخوانهم وأخواتهم وأبناءهم وأزواجهم وزوجاتهم في كل بقعة من بقاع المسلمين ببترودولار السعودية وأخواتها المارقات، وسطوة ماكنتهم العسكرية في البحرين واليمن وسوريا والعراق وغيرها من البلاد الاسلامية بفكرهم الوهابي السلفي التكفيري الإجرامي عبثوا بإجرامهم الدموي النفاقي في شق صف الأمة وإنتهاك مقدساتها وحرماتها وأعراض المسلمين وأكلوا الأكباد ليجسدوا ما فعلته أمهم هند في معركة بدر بسيد الشهداء حمزة سلام الله عليه كاشفة عن مدى بشاعة إجرام الفكر الجاهلي القبلي الأموي .

منذ يوم "رزية الخميس" وحتى يومنا هذا والصراع قائم بين الباطل والحق، والظلم والعدالة، والطاغية والمظلوم، والتحريف والحقيقة، والتزوير والواقع، والجاهلية والمدنية، والقبلية والأخوة في الدين هنا وهناك بدءاً من "شجرة الأرآك" التي أقتطعتها يد الطغيان والكراهية والعصبية وحب السلطة ودعاة ثأر قتلى بدر وحنين والخندق وخيبر على طول "فدك" المغتصبة و"الخلافة" المسلوبة من أقصى نقاط بلاد المسلمين الى أقصاها بسيف الدعوة الإنحرافية المزيفة والضالة المضلة وبدعم دراهم ودنانير سلاطين الفرعنة والظلم والقمع والجور المسلطين على رقاب المسلمين وثرواتهم ليعيثوا الفساد في البلاد والعباد ويولجوا في إراقة دماء الابرياء هنا وهناك طمعاً بالسلطة والقدرة التي إن كانت باقية لأحد لما وصلت اليهم، لكنهم لا يفقهون ولا يعلمون.

يقول العلامة الفيلسوف الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه "فدك في التاریخ" صفحة ٩٢، "وهنا تجي‏ء مسألة فدك لتحتلّ الصدارة في السياسة العلوية الجديدة، فإنّ الدور الفاطميّ الذي رسم هارون النبوّة خطوطه بإتقانٍ كان متّفقاً مع ذلك التطواف الليلي في فلسفته، وجديراً بأن يقلب الموقف على الخليفة وينهي خلافة الصدِّيق كما تنتهي القصة التمثيلية، لا كما يُقوَّض حكمٌ مركّز على القوّة والعدّة. كان الدور الفاطمي يتلخّص في أن تطالب الصِدِّيقة الصِدِّيق بما انتزعه منها من أموال، وتجعل هذه المطالبة وسيلةً للمناقشة في المسألة الأساسية، وأعني بها مسألة الخلافة وإفهام الناس بأنّ اللحظة التي عدلوا فيها عن عليٍّ علیه‌السلام إلى‏ أبي بكر كانت لحظة هوسٍ وشذوذ، وأ نّهم بذلك أخطأوا حظّهم وخالفوا كتاب ربّهم ووردوا غير شربهم".

فظلم الأول والثاني لسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام معلوم مشهور ذكرته كتب الصحاح والمسانيد ورواة التأريخ الاسلامي والحوادث التاريخية ويكفيك أن تطالع ما ذكره البخاري في صحيحه لتدرك هذه المسألة، فراجع صحيح البخاري ج5 ص82 باب "غزوة خيبر" لتنظر كيفية أمتنع أبو بكر عن دفع الحق لفاطمة (ع) فيما يتعلق بميراثها من رسول الله (ص) بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، وكيف أن الزهراء (ع) ماتت واجدة (أي غاضبة) عليه وعلى رفيقه. وقد روى البخاري نفسه قول النبي (ص): "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني (صحيح البخاري 5: 26 كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب قرابة الرسول (ص)" .

أتفق مشاهير الرواة وكبارهم من أهل السنة على حادثة الباب وكسر ضلع الزهراء وإسقاط جنينها ومنهم البخاري في "الصحاح" والمسعودي صاحب تأريخ "مروج الذهب" في كتابه "إثبات الوصية" وأبي الفتح الشهرستاني في "الملل والنحل" وابن قتيبة في "الامامة والسياسة" وأبن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" والطبري وغيرهم من كبار علمائهم، حيث كتبوا .."أن أبي بكر وعمر بن الخطاب وجمع من الناس أتوا بيت علي (ع) وكان عمر يحمل الحطب وقبس النار.. وأخذ يصرخ عمر بصوت عال عند باب بيت علي عليه السلام: والذي نفس عمر بيده لتخرجن لمبايعة أبو بكر أو لأحرقنها على من فيها ! فقيل له: يا أبا حفص أن فيها فاطمة ! فقال: وإن!!، فهجم عمر ومن معه فدفعوا باب الدار بشدة وهم يعلمون بأن فاطمة (ع) خلفه.. فكسروا بعض أضلاعها.. وسببوا إسقاط جنينها.. ثم مرضها.. وشهادتها (ع)".

من العراق وحتى اليمن ومن البحرين وحتى ليبيا مروراً بسوريا ولبنان ومصر وفلسطين المحتلة كلها تعاني من النهج القبلي والجاهلي والتطرف والوثني والتزلف السلطوي النابع من حقد عصبي عربي - يهودي قديم عمره أكثر من أربعة عشر قرناً، منذ فتح خيبر وكسر شوكة قريش في بدر والخندق على يد النبي الأمي (ص) ويعكس مواجهته لمدرسة الرفض والاباء التي حملت رايتها سيدة النساء وخيرهن فاطمة الزهراء (ع)، أول شهيدة في تاريخ الصراع بين الوحدانية والوثنية، والنور والظلام، والحق والباطل، والحقيقة والتزوير، وأرست صرح حركة الرفض السياسي ضد الظلم والتحريف والتزوير في تاريخ الدين الاسلامي الحنيف ؛ تلك المرأة التي تعد أنموذجاً للمرأة الرسالية العالمة والمربية الصالحة التي لم ولن نجد ما يقابلها من النساء ولن تتكرر ظاهرة أم أبيها الزهراء البتول (ع)، ولكن يبقى الاشعاع الذي انطلق قبسه من بيت النبوة ضياء وهاجاً للبشرية جمعاء على طول التاريخ .

لقد مرت على سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهرا (ع) ونحن نعيش هذه الايام ذكرى استشهادها الأليم المفجع بسبب كسرهم ضلعها وإسقاطهم جنينها بعد عصرهم إياها بين الباب والحائط في أيام لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة بعد رحيل والدها سيد البشرية ومنقذها؛ مصائب الدهر كله حيث لا تزال "شجرة الأرآك" تأن جراحها وتندب بكاءها وتشجوا حزنها وتشكوا لطمهم خدها وتخبر غصبهم فدكها والتنكيل بأبنائها وأتباعها وأنصارها ومحبيها، وتصور مأساتهم منذ لحظة رحيل والدها (ص) وحتى يومنا هذا؛ ما دفعها للقول عند زيارتهما لها في آخر أيام حياتها (ع): "اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا مَن حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي..."(صحيح البخاري)، اللذان تجاهلا قول الرسول الأكرم (ص) "..ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذرِّيتها وشيعتها"- رواه الخوارزمي بإسناده وكشف الغمة: ج1، ص467.

ولَما بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة، طَلَبت عليها السلام حضور أمير المؤمنين الامام علي (ع)، فَعهدت إليه بِوصيتِها، ومضمون الوصية: أن يواري (ع)، جثمانها (ع) المقدس في غلس الليل البهيم، وأن لا يشيعها أحد من الذين هضموها، لأنهم أَعداؤها ( ع)، وأعداء أبيها ( ص) .