kayhan.ir

رمز الخبر: 71665
تأريخ النشر : 2018February13 - 19:36

إسقاط الطائرة: خريطة جديدة لتوازنات القوى الإقليمية


إيهاب شوقي

تبدو الأوضاع في الإقليم على مفصل حرج يتجه تارة نحو التسوية وطورًا نحو التصعيد الخطير والذي لا يستطيع أحد التحكم بانزلاقاته مهما بدا واثقا من دقة حساباته ومهما كان مطمئنا لامتلاكه عصا التحكم بالتصعيد والتهدئة.

الأمور شائكة وعلى المحك، وهناك أطراف تريدها معركة صفرية وأطراف أخرى تريد الوصول لخط هدنة ما قبل "الربيع العربي"!

نعم كان هناك خط للهدنة قبل أن تطمع أمريكا والصهاينة (الإسرائيليون والعرب) في القضاء تماما على المقاومة واقامة "اسرائيل الكبرى"؛ لكن، وفي مطلع 2018 تغيرت القواعد والمعادلات، وأصبح منتهى أمل امريكا والصهاينة هو العودة لما قبل اطماعهم وطموحاتهم وتثبيت وضع مفاده امتلاك الصهاينة لردع اي طموح تحريري للمقاومين.

نعم قدمت تضحيات كبرى، وحدثت خسائر عظيمة، ولكن تشكلت آمال كبرى ومكاسب اكبر، اهمها التأكيد على صحة خيار المقاومة وكفاءته وقدرته على إيلام العدو الامريكي الصهيوني وسط مناخ معاد ومتواطئ وخائن، فما بالنا لو تغيرت الظروف واعتدلت الدفة أو حتى على الأقل نزع المتواطئون والمنبطحون والخونة أيديهم عن المقاومة وتركوها لحالها حتى دون دعم!

الرسالة الأخيرة والتي اتخذت عنوانا مفاده إسقاط طائرة صهيونية، هي رسالة تتخطى الحدود السورية مع فلسطين المحتلة لتصل الى البيت الابيض والبنتاغون مباشرة.

ولعل اهم مضامين الرسالة هو انه لم يعد هناك سماح ببلطجة امريكية واسرائيلية، ولن يمر اي عدوان دون ثمن، وان سوريا وبالأحرى محور المقاومة ككل قد تخطى مرحلة الاستنزاف ليضع اقدامه على عتبة مرحلة جديدة قد تعني المبادرة.

بلا شك ان الرواية الاسرائيلية لتسلسل الاحداث تعني ان هناك فخا قد نصب للطائرات الاسرائيلية، حيث استدرجت الطائرة بدون طيار الطائرات المقاتلة لتقصف وحدة المراقبة التي اطلقتها، ومن ثم اصطياد الطائرات الصهيونية بصواريخ الدفاع الجوي!

بالطبع لا نتبنى روايات "اسرائيل" ولكننا نستنتج مدلولاتها، وايا كان ما حدث فان المحصلة هي ان طائرات الصهاينة لم تعد بمأمن، وان سوريا تمتلك جميع التكتيكات سواء الهجومية المبادرة حتى وان كانت محدودة، كما تمتلك الدفاعات الفعالة.

ومنتهى امل الامريكي والاسرائيلي الآن هو عدم وجود نقاط اشتباك متقدمة مع المقاومة، وهو اسلوب استراتيجي تقليدي اسرائيلي يعمل دوما على فكرة الطوق النظيف، الا ان الجديد وهو اهم مضامين الرسالة، انه من غير المسموح تنظيف الطوق، وان "اسرائيل" محاصرة بالمقاومة حيثما ولت وجهها.

اهم مضامين الرسالة هو انه لم يعد هناك سماح ببلطجة امريكية واسرائيلية

استراتيجيا هو مكسب عظيم لا يعي قيمته وألمه الا الصهاينة والامريكان.

ويبدو ان "اسرائيل" لا زالت تحاول جاهدة مع امريكا على خلق طوق كابوسي حول المقاومة، ويتجلى ذلك في تحالفات "اسرائيل" مع انظمة عربية بعضها معاد للمقاومة وبعضها تابع لا حيلة له، الا ان الهدف هو الضغط وليس التصعيد، وهو ملمح جديد تجلى في سرعة الطلب الصهيوني للتهدئة خوفا من هذا التصعيد.

ويمكننا تتبع هذا الملمح في عدة شواهد:

- وفقا لديبكا، وفي تحذير استثنائي للغاية، حذر نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله من أنه إذا أرادوا الحفاظ على علاقاتهم الطيبة مع الرئيس ترامب والاستفادة من المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، فعليهم التوقف عن الخطاب المناهض لترامب والقبول الصامت بنقل السفارة الامريكية للقدس.

وهو طلب يحمل في مضمونه عزل المقاومة وجعلها وحيدة في التنديد والادانة!

- وفي نفس الدائرة، تشمل جولة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون التي تمتد من 11 إلى 16 فبراير/شباط الجاري، كلا من الأردن وتركيا ولبنان ومصر والكويت.

واللافت هنا ان اختيار الكويت كدولة خليجية وحيدة للزيارة، هو تعبير عن عزل للمقاومة دون تصعيد، باعتبار الكويت والتي تشكل وسيطا بين قطر والسعودية (باعتبارها تمتلك موقفا وسطيا) يمكنها العمل علنا على التهدئة دون تصعيد عدائي ولا يمكنها بالطبع اتخاذ اجراء يتلاقى مع المقاومة!

اذن امريكا تسعى لانتزاع اية مكاسب دون اثمان، ولو خرجت من المنطقة بوضع مماثل لما قبل "الربيع العربي" لكان انتصارا مرضيا لها.

والان ووسط مناخ كهذا فان الامور تشمل عدة جبهات فيها نقاط اشتباك حادة يمكن لكل منها تفجير الاوضاع، وتبدو دول اخرى تمارس سياسات عجيبة اشبه بالهروب للامام، مثل النظام التركي والذي يحاول الحفاظ على حد ادنى من النفوذ والشعبية بين التيارات الارهابية التي تبناها والتي اعطت له وزنا تفاوضيا، وهو مطالب امامها باستحقاقات تورطه في سياسات خطيرة داخل الاراضي السورية.

وكذلك النظام المصري والذي لجأ لأسلوب دعائي في محاربة الارهاب بدلا من الاصطفاف مع المقاومة كحل جذري مبدئي للارهاب، حيث لا تجدي اي محاربة للارهاب دون مواجهة من صنعه ومن يموله، ولكنه لجأ لهذا الاسلوب الدعائي لعلاج مشكلات داخلية متعلقة مباشرة بشرعيته كإجراء للتشويش على ازمة سياسية وشعبية داخلية، لا نرى انها ستنجح في علاج الازمة بل وربما ستكون لها نتائج عكسية تعمق منها.

في حديث مع الاستاذ والصديق الدكتور احمد راسم النفيس، حول ما كتبه مؤخرا من انه اصبح لا يرضى بتسمية "محور المقاومة"، لانه يبرئ الاخرين ولا يسميهم بمسماهم الحقيقي وهو التبعية والخيانة، نستطيع ان نعلن اتفاقنا مع هذا الحديث.

فمحور المقاومة يعني ان هناك محورا سياسيا اخر، بينما المعركة الوجودية الحالية تفترض وجود محور الشرف الوطني والاخلاقي والذي تنتمي اليه المقاومة ومحور التفريط والخيانة والذي ينتمي له كل من يهادن ويفرط ويفر من المعركة.