kayhan.ir

رمز الخبر: 61511
تأريخ النشر : 2017August12 - 20:17

من الحدود إلى الجرود.. حزب الله ينتصر مجدداً في معركة ’كي الوعي’


محمد الحسيني

معركة "كي الوعي" من أهم القضايا التي تعمل دوائر صنع القرار والاستراتيجيات الدعائية على تكريسها كواحدة من أدوات الحرب الناعمة باتجاه فرض العولمة والسيطرة والهيمنة في العالم، وشكّلت هذه المعركة عنواناً محورياً في إطار الحرب التي تخوضها "إسرائيل" على المقاومة الإسلامية في لبنان، وتعزّز هذا العنوان ضمن أجندة الأهداف الإسرائيلية بعد تحرير أيار 2000، وبعد انتصار تموز 2006، ولا زالت مستمرة حتى اليوم بأشكال وأدوات وأساليب مختلفة. ولم تعد ساحة هذه المعركة تقتصر على لبنان فقط، بل باتت تشمل المنطقة العربية والإسلامية كلها، حيث اتّسعت مساحة المواجهة بدل أن تضيق وتنحصر، وتعدّدت الأطراف المشاركة مع تغيّر الموازين والمعادلات، حيث فقد القيّمون على دوائر صنع القرار زمام المبادرة، ولم يعودوا في إطار معركة "كي الوعي" بموقع الفعل والهجوم، بل أصبحوا في موقع رد الفعل واستدراك النتائج، مع توالي هزائم المحور الأميركي - الإسرائيلي - الخليجي، ولا سيّما في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتعثّر تحقيق أهدافه في أماكن أخرى.

مصداقية الخطاب الذي اعتمدته المقاومة وقادتها أثبت مصداقية الخط الذي تدعو إليه

لا يمكننا، ونحن في الذكرى الحادية عشرة للانتصار الاستراتيجي الذي حققه لبنان بمقاومته وجيشه وشعبه في تموز 2006، إلا أن نعود إلى أيام التحرير في أيار 2000، لا بل يجدر بنا العودة إلى أيام المقاومة الأولى ولا سيما بين عامي 1984 و1985، حيث أجبرت المقاومة العدو على الإنسحاب من بيروت وصيدا ولاحقاً من مدينة صور، وليست المسألة في استحضار الأمجاد، بل للتأكيد على معطىً أساسي في إطار معركة "كي الوعي"، فهذه الأيام ساهمت في صناعة ذاكرة الأمة، لا سيما أن العدو يسعى إلى ضرب التاريخ وصورته، ويراهن دائماً على الوقت فيما يعمل على تشويه الحقائق والوقائع، فينسى الناس ذاكرتهم ويرسم لهم ذاكرة جديدة ويرسّخها في أذهانهم، وهذا ما تحاول "إسرائيل" إرساءه في فلسطين المحتلة وحيال المسجد الأقصى والقضية الفلسطينية ككل باعتبارها القضية المركزية للعرب والمسلمين، والذاكرة في هذا المجال جزء أساسي من المعركة لأنها عنصر مهم في تشكيل الوعي ومعرفة المخاطر وتحديد العدو من الصديق، والخصم من الحليف، وهذا ما نجحت المقاومة الإسلامية بتكريسه في وعي الأمة والمجتمع.

نقرأ من خلال انتصار المقاومة في معركة جرود عرسال فصلاً جديداً من فصول معركة "كي الوعي"

من الدفاع إلى الهجوم

انتقلت المقاومة من الدفاع إلى مرحلة الهجوم في مسار معركة "كي الوعي"، ونجحت على مدار عشرات السنين من المواجهة وتحقيق الانتصارات في تكوين وعي الشعوب وصولاً إلى إرساء ثقافة المقاومة والرفض ما دفع الشباب إلى اتباع خيار المواجهة، ولأول مرة تدخل المقاومة بفعلها الجهادي والإعلامي والسياسي وحربها النفسية لتقوم بكي الوعي الإسرائيلي، ولا سيما خلال وبعد حرب تموز 2006 - كما اعترف قادة العدو ونخبة العدو بأنفسهم- ولتفضح قرارات وخيارات قادة العدو وتكذبه في ما يُقدمه من معطيات وتؤدي إلى كي الوعي في الطرف الآخر، وأتى ذلك بفعل مصداقية الخطاب الذي اعتمدته المقاومة وقادتها ولا سيما الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله، ما أثبت مصداقية الخط الذي تدعو إليه، ورسمته خياراً وحيداً في إطار المواجهة الشاملة العسكرية والفكرية والمعرفية والعلمية والسياسية والاعلامية وغيرها.

انتقلت المقاومة من الدفاع إلى مرحلة الهجوم في مسار معركة "كي الوعي"

وها نحن اليوم في تموز آخر، نشهد تحقيق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته الانتصار في الحرب ضد الإرهاب التكفيري واجتثاث فلول تنظيم القاعدة من لبنان، ونقرأ من خلال انتصار المقاومة في معركة جرود عرسال فصلاً جديداً من فصول معركة "كي الوعي"، فقد أسقطت المقاومة كل الشعارات الزائفة التي أطلقها هؤلاء منذ بداية الأزمة في سوريا وما قبلها في مخاض ما سمّي "الربيع العربي"، ونجحت - ليس فقط في معركة السلاح بل في معركة الإعلام والموقف والمصداقية - أن تبيّن للعالم أجمع، أن هذه العصابات ليست سوى مجموعات تخريبية لا تمتّ للدين الإسلامي بصلة، وأن أهدافها قائمة على الإرهاب وتهديد الناس، وأكّدت حرص المقاومة على السلم الأهلي وكشفت في ظل ذلك الأطراف الداعمة لهذه الجماعات من الداخل والخارج، وأهم من كل ذلك أثبتت صوابية النهج والخيار الذي اعتمدته منذ انطلاقتها وحتى اليوم، بالقول والفعل وليس فقط بالخطابات والشعارات الرنّانة.

خيبة "إسرائيل"

على المقلب الآخر، أصاب انتصار المقاومة في معركة الجرود صميم المخطط الإسرائيلي، فساد الصمت الدوائر السياسية والإعلامية للعدو طوال المعركة وما بعدها، إلا القليل مما رشح من مقالات وتحليلات أكدت على عمق التهديد الذي يشكله حزب الله لمستقبل ومصير "إسرائيل"، فضلاً عن خيبة الأمل التي واجهها مسؤولو العدو من خلال إحباط المقاومة أي إمكانية لاستغلال "إسرائيل" إنشغال حزب الله في معارك سوريا والتكفيريين، وإصابته بالوهن والتعب، ولكن النتيجة كانت - باعتراف العدو نفسه - أن هذه المعارك زادت من قوة حزب الله وشكيمة مجاهديه وخبرة قادته في الحرب الميدانية، وهو ما يجعل من أي حرب قادمة قد تغامر بها "إسرائيل" ضد لبنان، بمثابة مستنقع يغرق بها المجتمع الإسرائيلي، وأتون من نار يحرق ضباط جيشه وجنوده، كما أن رهان العدو، ومن يدور في فلكه داخل لبنان، على تظهير حزب الله أنه يعمل خلافاً لانتمائه الوطني، فشل في إدخالها في وعي اللبنانيين، بل انعكس هذا الأمر شبه أجماع على أن حزب الله يخوض معركته جنباً إلى جنب مع الجيش اللبناني لحماية لبنان بحدوده ومناطقه وحماية أبنائه بكل مذاهبهم وطوائفهم.

حزب الله يخوض معركته جنباً إلى جنب مع الجيش اللبناني لحماية لبنان بحدوده ومناطقه

التحدي القادم

استطاعت المقاومة خلال سنوات طويلة أن تكرّس بوضوح أن "إسرائيل" هي العدو، وأن المشروع الإسرائيلي المدعوم والمتبنى بالمطلق وبالكامل من الولايات المتحدة والغرب هو العدو، بما يشكّله من خطر على الأمة والشعوب العربية وحتى الأنظمة فيها، لكن التحدي القادم في معركة "كي الوعي" يتمثّل بمحطة كبرى يسعى المحور الأميركي - الإسرائيلي - الخليجي إلى تحقيقها، وعنوان هذا التحدي هو "العودة الى تحديد العدو". فقد نجح هذا المحور للأسف في تنفيذ بعض مراحل تشويه الوعي لدى بعض الجمهور العربي، من خلال اختلاق عدو للأمة غير "إسرائيل"، ويتمثل هذا العدو بالجمهورية الإسلامية في إيران، وبدل أن تكون "إسرائيل" العدو الأوحد، باتت إيران أيضاً تشكل "تهديداً للعرب"، وباتت الأصوات في بعض دول الخليج تخرج لتبرّر التعاون مع "إسرائيل" لتأمين الحماية للأنظمة العربية من الخطر الإيراني، ولعل المعركة الأخيرة التي يحضّر لها هذا المحور هي إحداث صراع عربي - إيراني يكتسب طابعاً مذهبياً بين السنّة والشيعة، وهنا يكمن التحدّي الأبرز في معركة "كي الوعي".