kayhan.ir

رمز الخبر: 54576
تأريخ النشر : 2017March15 - 22:49

ملاحظات تتناول الشكل والمضمون: مؤتمرات عراقية برعاية وحضور مخابراتي !


عادل الجبوري

غالبا ما تثير مختلف المؤتمرات والاجتماعات التي تنظمها وتعقدها قوى سياسية عراقية خارج العراق، الكثير من الجدل والسجال، ليس في أوساط ومحافل الخصوم والمنافسين، الذين ينتمون ويمثلون فضاءات سياسية وقومية ومذهبية مختلفة فحسب، وانما من داخل اوساط ومحافل تلك القوى، وضمن امتداداتها الجماهيرية ونخبها السياسية والاجتماعية.

ولم يخرج المؤتمر الاخير الذي عقد بمدينة اسطنبول التركية عن هذا السياق، مثلما حصل مع اجتماع (جنيف-مونترو)، في الخامس عشر من شهر شباط-فبراير الماضي، واجتماع عمّان في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، ومؤتمر باريس في العاشر من شهر ايار-مايو من العام الماضي، فضلا عن اجتماعات ولقاءات مماثلة سابقة في الدوحة والرياض وعواصم ومدن اخرى، تحت لافتات وعناوين ومسميات متعددة.

مع ان رعاة مؤتمر اسطنبول والمنظمين له حاولوا ان يخرجوا بشيء جديد، من قبيل تشكيل هيئات تنفيذية وقيادية وسياسية ورئاسة دورية، الا ان واقع الحال لا يشير الى ما هو جديد فعلا، لان الخلافات والتقاطعات والتسقيط وتبادل الاتهامات هي التي طغت على ما سواها، مثلما هو معروف ومتوقع، ولعل هذا امر طبيعي في ظل تعدد وتنوع الاطراف الراعية، واختلاف الاولويات، وتقاطع المصالح، وتشابك الحسابات، التي يصعب اخفاؤها والتعتيم عليها، حتى ولو لفترة قصيرة من الزمن.

وما يمكن تسجيله على مجمل المؤتمرات والاجتماعات للقوى السياسية السنية العراقية، هو التالي:

-انها في الاطار العام تعقد خارج العراق، وعلى وجه العموم في عمّان واسطنبول والدوحة والرياض، واذا أريد عقد مؤتمر واجتماع في العراق، فان الاختيار يقع على مدينة أربيل وليس بغداد!.

-ان معظم -ان لم يكن كل- تلك المؤتمرات والاجتماعات تموّل وتعقد من قبل اطراف وجهات خارجية، كأن تكون دولا او منظمات او اشخاصا، او جميع ذلك، وغالبا ما نجد ان تركيا وقطر والسعودية والاردن والولايات المتحدة الاميركية، هي الممولة والراعية والموجهة، الى جانب عناوين واسماء اخرى، مثل المعهد الاوروبي للسلام.

-في الأعم الأغلب، يكون الطابع الأمني ملموسا وحاضرا في مثل تلك المؤتمرات والاجتماعات، من خلال مشاركة مسؤولين كبار في اجهزة مخابرات ذات الدول الراعية، كما في حضور نائب رئيس جهاز المخابرات التركي في اجتماع اسطنبول الاخير، الى جانب شخصيات مخابراتية قطرية وسعودية، وكذلك حضور المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية الاميركية (CIA) الجنرال ديفيد بترايوس في اجتماع جنيف.

-على وجه العموم، تفتقد تلك المؤتمرات والاجتماعات الى مخرجات واضحة ومتفق عليها، بحيث تكون لها انعكاسات على ارض الواقع، ناهيك عن ما تفرزه من مواقف وتوجهات متناقضة في داخل الفضاء السياسي السني، قبل أي فضاء سياسي اخر.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، برزت اصوات سنية عديدة، ان لم تكن أدانت المؤتمر الاخير ومؤتمرات واجتماعات اخرى سابقة، فانها تحفظت عليه، انطلاقا من رفضها انعقاد مثل تلك الفعاليات السياسية خارج العراق، ومن بين تلك الاصوات، رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس ديوان الوقف السني عبد اللطيف الهميم، والنائب في البرلمان عبد الرحمن اللويزي.

واكثر من ذلك، فإنه مقابل ما خرج به مؤتمر اسطنبول، أعلن من بغداد عن تشكيل ما يسمى بـ" جبهة القرار الوطني" - لمواجهة المؤتمرات الخارجية التي تعقدها بعض الشخصيات المعادية للعملية السياسية بدعمٍ دولي، بحسب ما صرح النائب اللويزي- من قبل عدد من المقاطعين والرافضين لمؤتمر اسطنبول، بينما ذهبت هيئة افتاء اهل السنة الى ابعد من ذلك حينما طالبت بمنع من شاركوا في مؤتمري جنيف واسطنبول من دخول المحافظات السنية.

وهذا الحراك يعكس جانبا من المأزق السياسي للمكون السني، الذي تتحكم به وتتجاذبه ارادات واجندات ومشاريع خارجية، هي التي كانت وراء ظهور تنظيم داعش الارهابي، ومن ثم هي التي تتحمل مسؤولية ما يجري من مآس وكوارث تدمير وتخريب لمدن ومناطق عديدة، وموجات نزوح وفرار لمئات الالاف من الناس في الانبار وتكريت ونينوى وغيرها، بسبب الحرب ضد داعش.

- ما يبدو واضحا لاي متابع، ان هناك شخصيات عديدة معادية للعملية السياسية، بل واكثر من ذلك مدانة بالارهاب ومطلوبة للقضاء، تشارك في تلك المؤتمرات والاجتماعات، وتعمل جاهدة لتكريس الاتجاه الفوضوي، واضعاف الدولة، وتعزيز النزعات الطائفية المقيتة.

-وما يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، هو انه بينما تبلغ المعارك ضد تنظيم داعش الارهابي في الموصل ذروتها، وبمشاركة شتى العناوين الامنية والعسكرية، والفاعليات والشرائح الاجتماعية العراقية، تسعى بعض الاطراف السياسية الى تفعيل حراكها السياسي الخارجي، بصورة مريبة، لا سيما اذا عرفنا ان مصادر ذلك الحراك عواصم عربية واقليمية، لها مواقف سلبية واضحة حيال العراق.

ولا شك ان الحقيقة، التي يمكن استخلاصها من مجمل معطيات الواقع، وكذلك من تجربة الاعوام الاربعة عشر الماضية، هي ان تعويل ساسة المكون السني العراقي على الخارج، يمثل اسوأ الخيارات، ونتائجه عقيمة، وعواقبه وخيمة، عاجلا ام اجلا.. وما احداث ووقائع العامين المنصرمين الا دليل دامغ على ذلك.