الإرهاب.. مرحلة الأخطاء وتساقط الأوراق
د. طراد حمادة
استنادا إلى ما ذكرناه سابقًا، عندما تكون قوتان من القوى الكبرى واحدة في حالة دفاع وأخرى في حالة هجوم، فإن الحرب الإقليمية بين الدول أو الحروب الداخلية شبه الأهلية تتحوّل إلى حرب استنزاف، أما إذا تحولت كل من القوتين العظميين إلى موقع الهجوم، فإنه يكون قد حان وقت انتهاء الحرب والذهاب إلى التسوية السياسية.
التطورات التي شهدتها الحرب في سوريا، بعد دخول القوات الروسية مجال العمليات العسكرية الهجومية المباشرة، لا يخرج عن هذه المعادلة، وعليه فقد شهدنا ما يشبه التراجع الأميركي العسكري، وتم سحب صواريخ البتريوت من تركيا، وسعى الطرفان إلى تنظيم قواعد الاشتباك وتراجع معدل الغارات الجوية الأميركية فوق سوريا، وصار الفضاء السوري مجالاً عسكرياً للطيران السوري والروسي بشكل أساسي.
وعليه، فإن المجال الجوي السوري أصبح منطقة عمليات عسكرية يلزم من يدخل مدارها الدخول وفق التنسيق والتفاهم العسكري مع كل من النظام السوري والقوات الجوية الروسيّة وهما شكّلا مع كلٍّ من إيران والعراق غرف عمليات عسكرية لإدارة شؤون الحرب...
الارهاب
عندما تقدم الروس إلى مجال الهجوم تراجع الآخرون، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية والحلف الذي أنشأته لمقاومة الإرهاب قبل عامين والذي لم يفلح في مكافحة الإرهاب لأنه لم يكن يضرب على مواطن الوجع عنده. بل يسعى إلى ترتيب الحرب على قاعدة التوظيف السياسي للإرهاب وليس القضاء عليه، وهذا ما أثبت فشله، لأن هذا النوع من الإرهاب غير قابل حتى لإجراء نوع من التوظيف السياسي له، وهو يذهب أن كل الخدمات المقدمة إليه إنما جاءت على قاعدة تسخير العباد لخدمة مصالحه.
إن الحرب التي يقودها التحالف السوري الروسي الإيراني العراقي على الإرهاب، ليست حرب توظيف سياسي ولا عمليات عسكرية لإضعافه وإنما فعل جدي للقضاء عليه، ولذلك فقد جمعت الحرب ضدّه، بين الجو والبر، كما جمعت أيضاً بين عاصفة السوخوي والوحدات الخاصة، وبين العمل السياسي في فيينا وغيرها من أجل الوصول إلى تسوية سياسية في سوريا، والعمل السياسي والدبلوماسي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل إقامة جبهة عالمية واسعة لمكافحة الإرهاب واستطاعت هذه الدبلوماسية الحصول على قرار الإجماع الدولي على محاربة الإرهاب من مجلس الأمن الدولي بالإجماع.
ذلك ما أسميناه الانتقال الاستراتيجي في مكافحة الإرهاب من ردّة الفعل إلى الفعل وهو يقوم على إجماع دولي بقرار من مجلس الأمن، والانتقال إلى الهجوم في الجو والبر عبر عواصف السوخوي والوحدات الخاصة، وإغلاق الحدود، وتدمير البنى التحتية للإرهابيين، وإقفال طرق الإمداد وتجفيف المنابع المالية، ومحاربة الأسس الفكرية، وإدانة الممارسات الإجرامية، وربح الحرب الإعلامية. حرب حقيقية لا مجال فيها للوقوف في المنطقة الوسطى قدم في وكر الإرهاب وقدم في مواطن مكافحته...
في هذه الحال، لا مجال لارتكاب الأخطاء، لأن للأخطاء أثمانا غالية. كل خطأ ينقلب على صانعه، خسراناً لا يمكن تعويضه لأنه زمن يكتب فيه التاريخ بدماء الشهداء والضحايا الأبرياء من الناس.
توجد قوتان ارتكبتا أخطاء وقد تلحق بهما قوة ثالثة وذلك فيما يلي:
) 1-الإرهاب التكفيري نفسه وقد ضاق عليه حصار الميدان، وفقد عناصر المواجهة العسكرية المحضة، رغم تدفق المساعدات المالية والعسكرية بالعديد والعتاد، فقد انقلبت موازين القوى العسكرية في كافة ميادين الحرب داخل سوريا والعراق لصالح القوى المقاومة للإرهاب. ولذلك بدأ هذا الإرهاب يتصرف على طريقة الأفعى التي قطع جزء منها وظلت تدور برأسها، تبحث عن ضحية للانتقام. وهذا ما حصل في الأعمال الإرهابية الإجرامية في الضاحية الجنوبية العاصمة اللبنانية – بيروت، بلدة برج البراجنة.. وكذلك في أحياء من العاصمة الفرنسية باريس، وفي مالي في أفريقيا، وسيناء في مصر.
(2-ضاق الميدان السياسي بوجه تركيا، فارتكبت الحكومة حماقة إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية على الحدود المشتركة مع تركيا وهذا أمر له ما بعده، وتبدو تردداته تعصف بسياسة الرئيس التركي أردوغان، وتجعله يتحرك كالذي فقد بوصلة المسار.
(3-الطرف الثالث المرشح لارتكاب حماقة من هذا القبيل هو العدو الصهيوني، حيث بدأت وسائل الإعلام الصهيونية تحذر الحكومة من مغبة تكرار السيناريو التركي مع روسيا وغيرها في السماء السورية وعلى الأرض. وهي تحذيرات تكشف عن وجود احتمالات لتهور من هذا النوع...
هكذا عندما تبدأ الاستراتيجيّة الفعلية لمكافحة الإرهاب، تتساقط أوراقه واحدة بعد أخرى...