kayhan.ir

رمز الخبر: 29958
تأريخ النشر : 2015November24 - 21:13

القمة من منظار آخر

حسين شريعتمداري

في سابقة لها مغزى كبير وصل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الى طهران للمشاركة في القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، وتوجه فور وصوله الى لقاء قائد الثورة الاسلامية.

ان هذا الموقف من بوتين والذي يعتبر غير مسبوق في ايران، ويصعب ان نتذكر له مثيل عالميا، في الوقت الذي حسب البروتوكولات والاصول المتبعة في الاعراف الدبلوماسية، فان قادة ورؤساء الدول يعيرون اهمية خاصة للمراسيم الرسمية لاستقبالهم من قبل الدولة المضيفة، وكذلك الى كيفية اجراء مراسيم الاستقبال والدقة في تقييم الشان والمكانة قبل السفر، واذا كانت المراسيم المحتملة للاستقبال لا ترقى لما هو متوقع فيصار الى الغاء الزيارة.

من هنا كان تغاضي بوتين وعدم التفاته للاستقبال الرسمي وتحركه مباشرة للقاء قائد الثورة، امرا محيرا ومقلقا في نفس الوقت للمحافل ووسائل الاعلام الاميركية والاوروبية. فيما عكس نص الحوار الذي استغرق لساعتين بين الرئيس الروسي وقائد الثورة، والذي نشر بعد ساعات من اللقاء، ان التفاتة بوتين كانت ذكية وهادفة، كما ان قلق اميركا وحلفائها لم يكن دون سبب.وهنا لابد من الاشارة لامور؛

1 ـ ان الغرض من زيارة بوتين لايران والموضوع الذي اعلن حوله، هو المشاركة في القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، ولذا صار من البديهي ان يكون الحضور في الاجتماع والذي تقدمته الضرورية الاهتمام بالاستقبال الرسمي، اولوية سفر الرئيس الروسي، إلا ان موقفه الغير مسبوق والغير متوقع في التغافل عن مراسيم الاستقبال الرسمية، والتحرك مباشرة للقاء قائد الثورة، يتضمن رسالة مفادها ان المشاركة في القمة ليس الموضوع والبرنامج الاساس لزيارة بوتين.

المحافل الغربية تلقت هذه الرسالة بسرعة تفوق ما كان متوقعا، ولم تخف قلقها من الموضوع "اللاغازي" لهذه الزيارة، واللقاء خارج الاعراف الدبلوماسية.

فقد صرحت "بي بي سي" في تفسيرها للموضوع دون الاشارة الى قمة الدول المصدرة للغاز؛ "ينبغي ان نتابع اهمية زيارة بوتين الى ايران لمسافات بعيدة عن طهران، ونصب الاهتمام على سورية.

فقد تحول التعاون بين موسكو وطهران بخصوص سورية، الى جبهة هامة ومؤثرة وهي في نفس الوقت مقلقة للغرب. فاساس قلق الغرب هو تحول اتحاد ايران وروسية الى جبهة جديدة على الصعيد الدولي والاقليمي، ليس للغرب فيها كلمة الفصل".

2 ـ ان بوتين على علم ان معادلات المنطقة تخضع لجبهة المقاومة الاسلامية العريضة. وهي جبهة تمتد من غرب آسيا الى شمال افريقيا، مما عرضت الدور الاميركي وحلفائها الغربيين والعبريين والعرب، في ابتزاز الشعوب المظلومة لتحد كبير. فالرئيس الروسي يدرك ان هداية هذه الجبهة العريضة للمقاومة خاضعة بشكل مباشر او غير مباشر، لتوجيه قائد الثورة، وان الكلمة الفصل تصدر من سماحته.

وهذا التحليل يلح على بوتين ان على موسكو التوجه للمركز الاساس للقرار لتسجل حضورا مؤثرا ودورا فاعلا في معادلات المنطقة.

3ـ ان التغاضي عن المراسيم الرسمية للاستقبال، واللقاء مباشرة بسماحة القائد، يبلور مفهوما لالبس فيه، ان بوتين لم يتجشم اللقاء من موقعه كرئيس لدولة كبرى وانما حضر ليتباحث وجهات النظر من موقع متعادل. هذا يمكن فهمه من نص الحوار الذي دار بين سماحة القائد المعظم وبين الرئيس الروسي ، بالرغم من وضوح الامر حتى وان لم نقلب صفحات المتن، اذ حين تصمد ايران الاسلامية خلال اكثر من 35 عاما الماضية بزعامة الامام الراحل(ره) ومن ثم بقيادة قائد الثورة، وتقف في قبال جميع المؤامرات، والابتزازات، والعقوبات، والهجمات العسكرية وعشرات المؤامرات الظاهرة والمبطنة لاميركا وحلفائها الاوروبيين والاقليميين، وتصل الى انتصارات ومكاسب في هذا المجال، فيكون من البديهي ان ترد روسية او أي قوة دولية واقليمية، من موقف متعادل، في خوض مفاوضات مع ايران.

4 ــ وعلى العكس من موقف رئيس جمهورية وسائر رجال الدولة الاميركية ــ من كارتر والى اوباما ــ، الذين انبروا من اعماق حقدهم وجرائمهم الوحشية لحياكة المؤامرات ضد ايران، فان بوتين قد ضمن بدءاً، وقبل لقائه قائد الثورة، ماض من الاجراءات العملية على مسرح السياسات المعلنة للجمهورية الاسلامية الايرانية، لتكون بداية مرضية ومطمئنة لاستمرار التعاون، وليس كاليد الحجرية لاوباما المتخفية بخف من حرير والتي ارجعها القائد بعد ان امتدت لايران بمكر.

ان سماحة قائد الثورة ثمن خلال لقائه بوتين وفي اشارة الى "مواقف ونهج الرئيس الروسي لاسيما خلال العام ونصف العام الماضي" ثمن عزمه الجاد لتمتين العلاقات الثنائية.

وان قيد "لاسيما خلال العام ونصف العام الماضي" اشارة لنفس التقدمة التي اصطحبها بوتين في زيارته لاستمرار التعاون مع الجمهورية الاسلامية. وهنا ينبغي الاشارة الى ان التعاون الايراني الروسي في مواجهة الحرب بالوكالة لاميركا وحلفائها ضد جبهة المقاومة في سوريا والعراق، وان واحدة من الاساسيات المصيرية التي تمر هذه الايام بالمنطقة والعالم، وهي التجربة المقبولة لاستمرار هذا التعاون. التجربة التي تحولت الى كابوس لاميركا وحلفائها الغربيين والعبريين والعرب، وحسب صحيفة وول ستريت جورنال "ان ادارة اوباما والحلفاء الاوربيين والعرب قد اندفعوا منبهرين لايجاد مخرج كي تلتاف روسيا على حليفتها اي ايران".

وحسب نيويورك تايمز"ان روسية اذا تحالفت مع ايران والاسد، فستتبدل الآمال في الوصل الى اجماع دولي ــ بعبارة اخرى اميركا وحلفائها! ــ الى يأس". وعشرات النماذج الاخرى.

5 ــ ان واحدة من الاهداف الستراتيجية لاميركا وحلفائها، هي عزل ايران في جميع المجالات لاسيما المجال السياسي والاقتصادي، خلال فترة الـ 35 عاما الماضية، قاصدين بذلك اركاع ايران مجبرة لتوفير حاجياتها الضرورية. ان هذا التوجه الستراتيجي لاميركا، يلقى تاييدا من تيار داخلي ملوث تماشيا مع الاعلام الغربي والعديد من الصحف الذيلية. هذا التيار الملوث قد عبر عن نفسه في احداث الفتنة الاميركية الاسرائيلية عام 2009، كطابور خامس وعرض الوطن للبيع، يعيد نفسه اليوم مستفيدا من تساهل بعض المسوولين والمراكز الداخلية. هذا التيار المنحرف يتابع اساسا ثلاثة محاور الاول؛ تزويق اميركا والتستر على جرائم الشيطان الكبير.

الثاني؛ التغرير بالاخرين بان الحل الوحيد للتوصل لانفراجة اقتصادية، يكمن في التقرب من اميركا، ودفع ثمن هذا التقرب، اي القبول بالابتزازات الماضية!

الثالث؛ الالتفاف على سائر الدول الخارجة عن دائرة اميركا وحلفائها، اذ يمكن من خلال علاقة ومعادلة ثنائية متوازنة توفير قسم من حاجيات البلد، وبالطبع في قبال الانقضاض على حصة من هذا التبادل.

ويمكن مشاهدة السخط والتوتر يلف التيار الملوث من العلاقة الثنائية بين ايران وروسيا. بان روسيا غير موثوقة ويحتمل ان تنكث العهود البينية! وفي الرد على ذلك ينبغي القول؛ هل بالامكان الوثوق باميركا وسائر الدول الغربية؟ لاسيما وان، اولا؛ ان خطوط التماس بين ايران وروسية ــ كما اشير من قبل ــ مشخصة بشكل تام، وثانيا؛ وحسب التيار المذكور ان نكث العهود ومكر روسية هو احتمال فقط، واذا حصل يمكن تلافيه بسهولة، الا ان احقاد اميركا ليست بالاحتمال وانما هي حقيقة واضحة لا تقبل الشك.

ورحم الله امامنا الراحل ــ رضوان الله تعالى عليه ــ حين تطرق الى الهدف الاساس لهذا التيار المنحرف، قائلا: "لقد كان التوجه في ان تنسى اميركا. فالبعض طرحوا الاتحاد السوفياتي كي تنسى اميركا. والبعض الآخر تخلوا عن شعار الله اكبر وعمدوا للتصفيق والصفير، لاسيما في يوم عاشوراء، اذ كان التوجه ان تنسى قضية الموت لاميركا".