kayhan.ir

رمز الخبر: 17999
تأريخ النشر : 2015April20 - 21:50

كيف اكتسب لبنان مناعته الوطنية بفعل المقاومة؟

د. طراد حمادة

يزدهر الحوار اللبناني في الذكرى الأربعين للحرب الأهلية، والخامسة والعشرين لاتفاقية الطائف، والخامسة عشرة لتحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الصهيوني بفضل المقاومة، ويدور النقاش حول عناصر الاستقرار ومدى توفر قوّة المناعة اللبنانية، في زمن الفوضى الإقليمية، وضعف النظام الإقليمي العربي ولا عقلانيته وتفشي ظاهرة التكفير، وغزوة الإرهاب، ويقظة نزعة الحرب عند أنظمة عربية، عجزت عن إقامة تسويات وطنية، وبين الدول، وتلك مأساة تناولنا فصولها وأدلتها في مقالات العقل السياسي المستقيل.

لماذا لبنان واحة استقرار في نظام إقليمي مضطرب، ونظام دولي ممعن في إثارة الفتن الداخلية، ونشر الفوضى والاقتتال الأهلي، والحروب بين الدول وداخلها لبلوغ مآربه الاستعمارية المتجددة؟

تصح البداية في تذكر أن لبنان شهد حرباً أهلية قاسية، نالت من العباد والبلاد، البشر والحجر، الأمن والاقتصاد، الثقافة والأبعاد المعنوية، والعلاقات الوطنية والإنسانية، ولأن الحروب الأهلية محكومة بالوصول إلى التسوية السياسية في نهاية المطاف، فقد استقرت جولات فصولها على تسوية الطائف التي تحولت إلى وثيقة وطنية، جمّدت مفاعيل الحرب الأهلية، لصالح ما يعرف بالسلم والوفاق الأهلي، وذلك بصرف النظر عن مشكلات تطبيق هذه الاتفاقية في بنودها المتعلقة بإصلاح النظام السياسي اللبناني، لكنها وضعت سقفاً لتداول السلطة وتوزع صلاحياتها بين مكونات الشعب اللبناني وجعلت الحياة السياسية تمضي في خطة الطريق التي رسمت خطوطها العامة في اتفاقية الطائف.

أدخلت اتفاقية الطائف لبنان في السلم الأهلي، وأنهت فصول الحرب، ووضعت خطة طريق لمسار الحياة السياسية، وحصل مع الوقت إجماع لبناني حولها، أساسه الامتناع عن الاقتتال الداخلي، وتحصلت من هذه الناحية مناعة ظاهرة شديدة المصارحة لكل أشكال الحرب السابقة، يصح عندها قول الشاعر العربي بشأن مآسي الحروب:

وما الحرب إلاّ ما علمتم وذقتم

وليست هي بالحديث المرجم

لكن الواقع اللبناني في مسار هذه التسوية السياسية الكبرى يبين أنها تحققت، وجزء عزيز من لبنان تحت الاحتلال الصهيوني، يواجه مقاومة باسلة، تهدف إلى تحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال والدولة اللبنانية من التهديد والعدوان.

كانت المقاومة الإسلامية اللبنانية مقاومة وطنية، تسعى إلى تحرير الجنوب والبقاع الغربي بالكفاح المسلح. وقد كان هذا الهدف الوطني السامي أولوية في برنامج المقاومة، التي سعت إلى تحقيقه، وشجعت من أجله قيام وفاق سياسي يكون دعماً لفعل المقاومة من خلال الإجماع الوطني حولها، وعليه لم تتدخل المقاومة في السياسات الداخلية التفصيلية، وخاصة السياسات التنفيذية للحكومات بعد اتفاقية الطائف، وساعدتها على إعادة الإعمار، وعلى تداول السلطة، وتعزيز عناصر التسوية، وبناء المناعة الوطنية الداخلية، ونبذ كل أشكال الفتنة، من أجل استقرار لبنان، وتشكيل جبهة وطنية قوية تدعم المقاومة في مسيرتها لتحرير الأرض والإنسان.

كان اتفاقية الطائف وجهاد المقاومة، يسيران في حالة وئام وطني وتكامل له بعد استراتيجي، لتحقيق أهداف واحدة على الحقيقة، لأنه لا يمكن أن يستقر بلد يعاني من حرب أهلية، واحتلال بغيض، بحل مشكلة واحدة ونسيان الأخرى.

قدم كل من المقاومة واتفاقية الطائف الأرضية الوطنية الصلبة، لاستقرار البلاد وقيام الدولة، وسريان الحياة السياسية في مؤسساتها. وإن كانت كل واحدة من هذه الأهداف في تحقيقها تتفاوت عن الأخرى لاعتبارات تعود إلى أن الوفاق السياسي الداخلي يكون أكثر منالاً من تحقيق الانتصار على العدو الذي يحتل الأرض ويثير الفتنة في الداخل، وأقل كلفة على مستوى بذل الجهد وتقديم التضحيات. انتهت الحرب الأهلية إلى تسوية سياسية لأنها أكملت دائرة وجودها، وجعلت أطرافها تقر بضرورة الوصول إلى تسوية فيها مصالح جميع الأطراف المتصارعة في الداخل اللبناني، لكن طرد الاحتلال، يستلزم فرض إرادة الشعب على عدوانية الغزاة المحتلين، وإنزال الهزيمة فيهم لصالح طرف واحد، هو في الواقع الشعب اللبناني بكل مكوناته، وهذه تستلزم على ما ذكرت تفاوتاً على مستوى الزمان وتضحيات الشعوب...

وعليه فإن ما واجهته المقاومة بعد التحرير من الأعداء الصهاينة والذين يشربون من كأسهم كان بدوره ميدان حرب قاسية، عالية العزيمة والتضحية لتحقيق أمرين:

1- تثبيت الانتصار وتحوّله إلى قوّة داخلية رادعة للأعداء الطامعين على الدوام.

2- بناء عناصر القوّة والمناعة لجعل الفعل السياسي المتحصل من التسوية السياسية يحصل في لبنان سيد حر مستقل، ودولة عادلة قادرة مزدهرة. وهذه المعادلة تشرح الأبعاد السياسية، لما أنتجه الفعل السياسي اللبناني، بعد انتصار التحرير عام 2000، في معادلة الجيش والشعب والمقاومة.

هذه القوّة في فعل المقاومة جعلت الحياة السياسية مستقرة وتطبيق اتفاقية الطائف وتطويرها، بتطور الحياة السياسية نفسها ممكناً، وخلقت مناعة وطنية حقيقية.

كيف تتبدى هذه المناعة، ومفاعيل هذه المعادلة، في استقرار لبنان وقيام دولته وفي ردع العدوان ومكافحة الإرهاب، وبناء العدالة والديمقراطية والتنمية والحرية الحقّة. ذلك ما سوف نتابعه في مقالة لاحقة.