kayhan.ir

رمز الخبر: 120967
تأريخ النشر : 2020October18 - 19:58

الحرب السعوديّة الاميركيّة ضدّ اليمن.. بين تطوَّر المقاومة وسقوط الرِّهانات

حســـن حــردان

بعد أكثر من خمس سنوات على شنِ الحرب السعوديّة الاميركيّة ضد اليمن، ترتسم بوضوح صورة مشهد فشل أهداف هذه الحرب في القضاء على مقاومة الشعب العربي في اليمن، والإخفاق في إخضاعهِ مجدداً للهيمنة الاستعماريّة ومنظومتِها التابعة لها في المنطقة. مجسّدةٌ بالرياضِ وتل أبيب.

فالحرب تحوّلت إلى حربِ استنزافٍ من العيار الثقيل للمملكة السعودية، حيث بات الاستمرار في الحرب عبئًا ثقيلًا على الحكومة السعودية بشكلٍ أساسي؛ كونها هي من يدفع فاتورة هذه الحرب المكّلفة والباهظة، ولاسيما وأنّ اليمن قد دفع الفاتورة ولم يكن هناك ما يخسره بعد أن دُمّرت بُناه التَّحتيّة ومنشآته الأساسيّة. حتى أنّ الطّيران السعودي الاميركي لم يعد لديّه من أهداف ليقصفها ويدمّرها سوى إعادة قصف ذات الأهداف المدمّرة، أو قصف الأسواق ومجالس العزاء وصالات الأعراس وارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيّين في محاولةٍ يائسةٍ لفرضِ شروط الاستسلام على المقاومة الوطنية اليمنية بقيادة أنصار الله.

لقد جاء انتقال المقاومة اليمنيّة من حالةِ الدفاع والصمود، إلى حالةِ الهجوم في مواجهة العدوان ليُحدث تحوّلًا نوعيًا في مسارِ الحرب، تجسّد في نقل الحرب إلى داخل المملكة السعودية، والتَّمكن من توجيهِ ضرباتٍ قويّةٍ استهدفت مرتكزات القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة للمملكة، وكان آخر هذه الضربات، في العمق السعودي، قيام المقاومة اليمنية بقيادة أنصار الله باستهدافِ مُنشآت النفط العملاقة والمطارات والقواعد العسكريّة ومنظومات الباتريوت، في جيزان وعسير ونجران، بواسطة الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستيّة عاليّة الدقَّة، وإلحاق خسائر جسيمة فيها، وهو ما أصاب المسؤولين السعوديّين بحالةٍ من الهستيريا عكستها تصريحاتهم، نتيجة:

أولاً: حجم الخسائر الكبيرة التي باتت تصيب مقدّرات ومرتكزات القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة التي تعتمدُ عليها المملكة في مواصلةِ حربِها المدمّرة ضد اليمن.

ثانياً: انكشاف عجز منّظومة الدفاع الجوّي السعوديّة في التَّصدّي للطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ومنعها من تحقيق أهدافها. ولاسيما وأن منّظومة الدفاع هذه، هي من أحدث المنّظومات الاميركيّة التي اشترتها مؤخرًا الرياض من واشنطن، بعد نجاح المقاومة اليمنيّة في تدمير أهم مُنشآت النفط لـ «شركة أرامكو» في «بقيق» و«خريص»، في عملية أطلق عليها «توازن الردع الثّانية» بعد العمليّة الأولى في قصف منشأة ضخ النفط في «ينبع». وتكشّف فشل منظومة الدّفاع الاميركيّة في حمايةِ المملكة.

لكنَّ الأمر لا يتوقف عند هذه النتائج الاقتصاديّة والعسكرية لضربات المقاومة اليمنيّة القويّة والمؤثّرة، فهي، أي الضربات، إنَّما تؤكّد الحقائق التاليّة:

الحقيقة الأولى: تنامي وتطوَّر قدرات المقاومة اليمنيّة بواسطة الخبرات الذاتيّة التي نجحت في تحقيقِ قفزات هامّة في تصّنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، وذلك رغم الحصار المطبق المفروض على اليمن منذ بداية شن الحرب.

الحقيقة الثانية: استناد هذه المقاومة التي صمدت وتطوَّرت قدراتها إلى قيادة ثورية جريئة وشجاعة تملك مشّروعًا ورؤية لخوض الصراع بأفق التحرّر الوطني، والذي يضع في الحسبان أنّ مواجهة المملكة السعوديّة وإحباط أهداف حربها يعني في الوقت نفسه هزيمة للولايات المتّحدة الاميركيّة وكيان العدو الصهيوني؛ وهو ما يتطلّب خوض حرب المقاومة طويلة النفس.

الحقيقة الثّالثة: زيادة كلّفة الحرب السعوديّة. إنَّ خسائر المملكة في تزايد مستمر، وهو ما أدّى ويؤدّي إلى انعكاسات سلبيّة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، حيث ارتفع العجز في الموازنة السعوديّة، واضطرت الحكومة لتغطية العجز إلى اللجوء للاستدانة من جهة، وزيادة الضرائب غير المباشرة على المواطنين في المملكة من جهة ثانية، والتي كان آخرها رفع ضريبة القيمة المضافة من 5 بالمائة إلى 15 بالمائة.

الحقيقة الرابعة: تجد الحكومة السعودية نفسها أمام طريق مسدود، إذا ما استمرت في الحرب.

١-الأمل في إضعاف المقاومة والقضاء عليها، وفرض الاستسلام على الشعب اليمني، يبدو مستحيلًا. ويتضح يومًا بعد يوم، وسنة بعد سنة، أنه لا يوجد بصيص ضوء في نهاية النفق يقضي إلى تحقيق النصر في هذه الحرب.

٢-الاقتراب من مواجهة استحقاق التسّليم بالفشل في تحقيق أهداف الحرب، والإقرار بضروّرة المسارعة إلى الدخول جديًا في مسار التسّوية بعيدًا عن المناورة؛ بهدف وقف الحرب وتحقيق السلام على قاعدة التسليم بحق الشعب اليمني في تقرير مصيره بنفسهِ بعيدًا عن التَّدخّلات الخارجيّة في شؤونهِ الداخليّة، وهذه هي النقطة الأساسيّة والجوّهريّة. عندما تصل الحكومة السعوديّة إلى مرحلة الإقرار بذلك، عندها ستنتهي الحرب ويدخل اليمن مسار العمل على تحقيق السلام وإعادة البناء.

الخلاصة: إنَّ الحسابات والرِّهانات السعوديّة على تحقيق أهداف الحرب في مدى أسابيع كانت خاطئة، في حين لم تكن الحكومة السعوديّة تدرك أنّها ستتورط وتغرق في حربِ استنزافٍ بهذا الحجم، لم تتمكّن اميركا -القوة الأكبر والأقوى في العالم- من تحمّل كلّفة أقل منها في العراق.. وأنّ الحكومة السعودية لم تكن تدرك أنّها لن تتمكن من إخضاعِ اليمن، وأنّ الحرب سوف تجعله أكثر إصرارًا على السير في خيار تحقيق استقلاله الوطني والتحرّر من براثن الهيّمنة السعوديّة الاميركيّة، وإنَّ اليمن سيصبح جزءًا من جبهة المقاومة في المنطقة وسندًا قويًا لقضية الشعب العربي في فلسطين المحتلة ومقاومته الباسلة.