kayhan.ir

رمز الخبر: 120903
تأريخ النشر : 2020October17 - 20:05

الاعتراف وليس التطبيع !

د. عدنان منصور

تزاحمت مفردات "التطبيع” في الأشهر الأخيرة، بعد هرولة بعض العرب باتجاه الكيان الصهيوني، والعمل على إقامة علاقات دبلوماسية معه، بعد أن درج المسؤولون، والسياسيون، ووسائل الإعلام على أنواعها، والمحللون والمعلقون على الأحداث في العالم العربي، لا سيما في لبنان، على استعمال عبارة التطبيع بشكل دائم مع الكيان الصهيوني المحتلّ.

هناك من اعتبر انّ المفاوضات غير المباشرة مع العدو "الإسرائيلي”، حول تحديد وترسيم الحدود البحرية والبرية للبنان، برعاية الأمم المتحدة والوسيط الأميركي، قد تكون مقدمة للتطبيع، أو خطوة أولى في هذا الاتجاه، هذا المصطلح لا ينطبق على الواقع العربي بصورة عامة، وبالذات على لبنان، لأنّ التطبيع يعني العودة الى علاقات سابقة سليمة كانت موجودة أصلاً، بين طرفين أو دولتين أو أكثر، قرّرا طيّ صفحة الخلافات بينهما، بعد قطيعة لسبب ما: اندلاع حرب بينهما، توتر أو تدهور شاب العلاقات الثنائية، أدّى إلى قطعها، أو تجميدها، أو غير ذلك. من هنا يأتي التطبيع لتجاوز الخلافات الماضية، ووضع حدّ لها، واعتبارها كأنها لم تكن، لتصبح في ما بعد من أرشيف الماضي.

أما بخصوص ما يتعلق بالدول العربية، وبشكل خاص بلبنان، فقد أصبح مصطلح التطبيع شائعاً عند الجميع، في كلّ مرة نتحدّث فيها عن الكيان الصهيوني، والصراع العربي ـ "الإسرائيلي”، ورفض”التطبيع” معه. لذلك من الضروري التوقف والإقلاع عن استعمال مصطلح التطبيع مع العدو، لأنّ التطبيع يتمّ بين بلدين يعترف كلّ منهما بالآخر، وكانا يقيمان علاقات طبيعية، أكانت دبلوماسية أو اقتصادية أو غيرها، ثم توقفت هذه العلاقات بعد قطعها لسبب ما. لكن، وبعد انتفاء هذا السبب، تعود هذه العلاقات الى سابق عهدها، بناء على رغبة وإرادة الطرفين أو الأطراف المعنية.

لكن أن نستعمل يومياً في دولنا العربية، عبارة التطبيع مع العدو، حيث وجوده مرفوض أساساً، والذي قام على الاحتلال واغتصاب الأرض وتهجير أصحابها الأصليين، فهذا خطأ، على اعتبار أنه لم يسبق، ولم يكن هناك اي نوع من العلاقات الثنائية مع العدو، أو أيّ اعتراف به من قبل، لأنّ التطبيع هو العودة الى الوضع السابق السليم الذي كان سائداً من قبل، ويهدف الى عودة المياه الى مجاريها، بعد توتر كبير ساد العلاقات بين طرفين أو أكثر، والعمل مجدّداً على استئناف العلاقات في مختلف المجالات، وأبرزها العلاقات الدبلوماسية. ولنا في هذا المجال أكثر من نموذج يتعلق بتطبيع العلاقات بين دولتين بعد قطعها، كعودة العلاقات وتطبيعها بين الولايات المتحدة وفيتنام عام 1995، بعد حرب طويلة دامت بين البلدين، أو بين واشنطن وبيجين مطلع السبعينات.

إذن، التطبيع يأتي بعد قطيعة أو توتر سبقه علاقات سياسية ودبلوماسية طبيعية وأحياناً أكثر من عادية وممتازة. لذلك من الممكن الحديث مستقبلاً عن تطبيع العلاقات بين السعودية وقطر على سبيل المثال، او بين واشنطن والخرطوم، بين الولايات المتحدة أو المغرب أو مصر أو السعودية مع إيران. لكن لا يمكن الحديث عن علاقات، أو استعمال مصطلح التطبيع بين لبنان والكيان الصهيوني، لأن الاعتراف به لم يحصل يوماً، كما أنّ العلاقات معه لم تكن أصلاً موجودة، خاصة أنّ الدولة اللبنانية لم تعترف بدولة الاحتلال الإسرائيلي منذ قيامها وحتى اليوم، لا من قريب أو بعيد. لذلك عندما نهاجم في أدبياتنا السياسية، والفكرية والثقافية، والدبلوماسية، والإعلامية، التطبيع مع العدو الإسرائيلي ورفض لبنان القاطع له، فهذا يعني أننا لا نقبل العودة واستئناف العلاقات الطبيعية التي كانت سائدة قبلاً مع العدو، وهذا غير صحيح. لذلك من الأفضل القول والتركيز، على رفض لبنان الاعتراف بـ "إسرائيل”، أو إقامة أيّ شكل من أشكال التواصل مع العدو، ورفض الاعتراف بالأمر الواقع للاحتلال. بدلا من أن نقول إننا ضدّ التطبيع، أو نرفض التطبيع، وكأننا بهذا المصطلح نريد أن نبدي عن رفضنا للعودة الى العلاقات الطبيعية التي كانت تربطنا بالعدو، وهي علاقات لا أساس ولا وجود لها في القاموس الوطني والعربي للبنان.

حبّذا لو نلغي من مفرداتنا وأدبياتنا السياسية مصطلح التطبيع، بمصطلح ثابت آخر، وهو رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني المحتلّ، وليس رفض التطبيع !