kayhan.ir

رمز الخبر: 116712
تأريخ النشر : 2020July31 - 21:11

موسكو طهران وبكين نموذج اقتصادي متكامل


د. حسن مرهج

من الواضح أنّ السياسية الصينية في المنطقة تسير وفق مسارين:

الأول – تسعى الصين إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية وبناء تحالفات استراتيجية مع دول عديدة تناهض السياسات الأميركية في المنطقة، في محاولة لإنشاء منظومة سياسية وعسكرية واقتصادية، توازي شبكة العلاقات الأميركية قوة وتنظيماً وتأثيراً في سياسات المنطقة.

الثاني – هناك رغبة صينية واضحة لوضع حدّ للتحكم الأميركي في السياسات الدولية والإقليمية، ولا سبيل لوضع آلية تُقيد السياسات الأميركية، إلا بتحالفات مع دول قوية في المنطقة، وعلى رأس تلك الدول الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

انطلاقاّ من هذين المسارين، ترى الصين أنّ إيران واحدة من أهمّ الدول لربط آسيا بأوروبا من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي تمثل المحرك الأساس للسياسة الخارجية الصينية منذ أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2013، ولاعب أساسي في الحفاظ على استقرار منطقة الخليج العربي التي تعدّ الشريان الرئيس لوصول النفط إلى الصين.

وعليه، بات واضحاً أنّ أحد أهمّ أوجه العلاقة الصينية الإيرانية، تعزيز المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، بُغية تقويض الأهداف الأميركية في المنطقة، إذ يبدو واضحاً أنّ الصين وإيران تعملان منذ مدّة على شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً، والواضح أيضاً أنّ الشراكة ستسمّى شراكة استراتيجية شاملة بين الصين وإيران.

وبما أنّ علاقات إيران مع الصين جادّة وتشكّل أساس التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين في شكل وثيقة مدتها 25 عاماً، فمن الطبيعي أن تهتمّ الدول الغربية بهذه العلاقات، وبشكل أساسي فإنّ السياسة الأنجلو ساكسونية للأميركيين والبريطانيين هي التركيز على الضغط على إيران من أجل إبعادها عن الصين وروسيا، لكن فشلت هذه السياسة، وفشلت معها السياسة الأميركية لاستعمار إيران، وما يؤكد هذا الأمر أنّ الصين ستُشارك في "بناء البنية التحتية الأساسية لإيران” كجزء من مبادرة "حزام واحد وطريق واحد”؛ هذا المشروع الذي يُعدّ مشروعاً للتكامل الاقتصادي بين البلدين.

فقد أدركت الصين وإيران وضمناً روسيا، أنّ الاتحاد والتعاون هما الوسيلة الوحيدة لتعزيز التبادل على المستويات كافة، وبات ضرورة لمحاربة المشكلات الداهمة التي يمثلها تنامي النفوذ الأميركي في الشؤون الداخلية للدول، حيث أن النفوذ الأميركي أجبر طهران وبكين وموسكو على تحييد الخلافات الثانوية، وتبني استراتيجية موحدة من أجل المصلحة المشتركة للدفاع عن مصالحهم في المنطقة.

والواضح أن أحداث مثل الحرب على سورية، والأزمة في ليبيا، والإطاحة بالنظام الديمقراطي في أوكرانيا، والعقوبات على إيران، والضغط المباشر على بكين في بحر الصين الجنوبي، كلها عوامل سرّعت في التكامل بين الصين وإيران وروسيا.

في جانب آخر مُتعلق بعمق العلاقة الإيرانية الصينية، نجد أنّ جوهر هذه العلاقة يرتكز على الاقتصاد، في المقابل ومن خلال تحليل القوة الاقتصادية نجد أن المنظمات العابرة للحدود مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تضمن دور واشنطن كزعيم اقتصادي، والركائز التي تدعم مركزية الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي يُمكن أن تُعزى إلى السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي ووظيفة الدولار كعملة احتياط عالمية، خاصة مجلس الاحتياطي الاتحادي لديه قدرة غير محدودة لطباعة النقود ولتمويل القوة الاقتصادية للقطاعين الخاص والعام، وكذلك لدفع الفاتورة الواجبة للحروب المكلفة جداّ، وضمن ذلك فإنّ الدولار الأميركي يلعب دوراً رئيسياً كعملة احتياطية عالمية، وكذلك يستخدم كعملة للتجارة، وهذا يُحتم على كلّ بنك مركزي امتلاك احتياطيات بالعملة الأميركية، وتكريس أهمية واشنطن في النظام الاقتصادي العالمي. من هنا فإنّ إدخال اليوان الصيني والتومان الإيراني في التعاملات التجارية بين بكين وطهران، ومن الممكن أن تتسع مروحة هذه التعاملات بالعملات المحلية للبلدين، لتشمل دولاً عديدة ترغب بالابتعاد عن مخاطر التعامل بالدولار الأميركي، كلّ ذلك وسائل وأجراس إنذار الاستراتيجيين الأميركيين حول خطر تآكل مكانة العملة الأميركية.

في المحصلة، فإنّ الصين وإيران وضمناً روسيا بحاجة لإيجاد نظام اقتصادي بديل، لتأمين الجوانب الحيوية للاقتصاد المحلي، فقد لقد لعب انهيار سوق الأسهم في الصين، وانخفاض قيمة الروبل في روسيا، والعقوبات غير القانونية المفروضة على إيران، دوراً عميقاً في تثبيت أهداف موسكو وطهران وبكين، لإيجاد نقاط التلاقي بين البلدان الثلاثة، ولتشكيل منظومة اقتصادية قادرة على ضعضعة الهيمنة الأميركية على العالم.