kayhan.ir

رمز الخبر: 110563
تأريخ النشر : 2020March11 - 19:57

دوّامة الانتخابات.. "اسرائيل" تقاتل نفسها

سركيس أبوزيد

جرت انتخابات برلمانية عامة في "إسرائيل" لانتخاب "كنيست" جديد. هذه الانتخابات هي الثالثة في غضون عام بعدما انتهت الجولتان الأولى والثانية الى توازن سلبي حال دون تمكّن أي من الطرفين "الليكود" بزعامة نتنياهو، وحزب "أزرق أبيض كحول لفان" بزعامة بيني غانتس، من تشكيل حكومة تحظى بأكثرية 61 صوتاً هي أكثرية النصف زائد واحد (عدد مقاعد الكنيست 120).

في المقابل، أظهرت آخر استطلاعات للرأي أن الانتخابات البرلمانية لن تؤدي إلى حل للأزمة الحكومية، وربما ستقود إلى الانتخابات الرابعة خلال سنة واحدة. وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نشرت آخر استطلاعين للرأي قبيل الانتخابات، يظهران نتيجة واحدة، هي أن أياً من معسكري نتنياهو وغانتس لن يستطيع حسم الانتخابات لصالحه بالحصول على 61 مقعدا من مجموع 120، ولذلك فإن الاحتمال بأن تعاد الانتخابات مرة رابعة سيظل قائما.

لكن، المفاجأة جاءت من رئيس حزب اليهود الروس "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان الذي فجّر قنبلة سياسية هزت المعركة الانتخابية الإسرائيلية وأكبر حزبين بشكل خاص، إذ قال: إنه لن يوصي رئيس الدولة بتكليف أي من المرشحين لتشكيل حكومة، فكلاهما فاشل: بنيامين نتنياهو شخص لم يعد يهمه شيء من مصالح "إسرائيل" أو وظيفة رئيس الحكومة، ويهتم فقط بنفسه وكيف سيتملص من محاكمته بتهمة الفساد، وبيني غانتس شخصية ضعيفة عديم التجربة، وكلاهما يخضع لابتزاز الأحزاب الدينية". وأضاف: "اليوم يلهث نتنياهو وغانتس وراء السياسيين والأحزاب والناخبين. ولكن لهاثهما الحقيقي سيكون بعد الانتخابات. أنا من جهتي أبلغهما من الآن، لن أكون في حكومة واحدة مع نتنياهو شخصيا، لكنني مستعد لأن أكون مع "الليكود" من دونه. ولست مستعدا لأن أكون مع "القائمة المشتركة" (العربية)، في أي تحالف. وأما غانتس فعليه أن يثبت أنه متحرر من ابتزاز المتدينين".

لكن في المحصلة، فاز حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو في الانتخابات، وحل في المرتبة الأولى، بينما حزب "أزرق أبيض" بزعامة الجنرال بيني غانتس حل في المرتبة الثانية. وحصل معسكر اليمين الذي يقوده نتنياهو على 58 مقعداً، بينما حصل معسكر الوسط واليسار الذي يقوده غانتس على 33 مقعدا.

وبينما كان غانتس يشارك مناصريه مشاعر الخيبة والألم قائلا إنه كان يأمل أن تكون نتائج الانتخابات أفضل، كان نتنياهو يعلن فوزه متباهيا ومحتفيا بالنصر قائلا: "هذا النصر فاق كل التوقعات وأكبر من نصر عام 1996. لقد واجهنا كل القوى التي قالت إن عهد نتنياهو ولّى وانتهى".

فاز نتنياهو في معركة البقاء وكُتب له عمر سياسي جديد، ولو لم يفعل لكان انتهى سياسيا بشكل مأساوي، وانتقل بعد أسبوعين الى حلبة القضاء لخوض معركته ضد تهم الفساد الموجهة له، والتي شكلت هاجسا وكابوسا لديه على امتداد عامين.

وصحيح أن بنيامين نتنياهو حقق فوزًا ثمينًا وحاسمًا يعطيه حق تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن لا يعطيه قدرة التشكيل السريع والمضمون، لأن ما حصل عليه مع معسكر اليمين المتطرف هو 58 مقعدا، وما زال بحاجة الى 3 مقاعد لبلوغ عتبة النصف زائد واحد (61)، إلا إذا حصل على المقعدين بعد فرز أصوات الجنود. لذا فهو يتجه الى تشكيل حكومة يمينية قومية متطرفة، ولكن بقاعدة برلمانية ضيقة. ومع استمراره في رئاسة الحكومة، يكون كسر الرقم القياسي في رئاسة الحكومة، كصاحب أطول فترة يمضيها رئيسًا للحكومة، متجاوزًا بفارق مريح الفترة التي أمضاها مؤسس" إسرائيل" ديفيد بن غوريون.

ومع عدم استبعاد احتمال الذهاب مجددًا الى انتخابات رابعة تبدو خيارات نتنياهو محصورة في ثلاثة أساسية:

1- تشكيل حكومة وحدة وطنية وبشروطه مع حزب "أزرق أبيض"، ومن دون تناوب على رئاسة الحكومة مع غانتس.

2- اجتذاب إفيغدور ليبرمان وإقناعه بالتخلي عن موقفه الرافض للمشاركة في الحكومة مع الأحزاب.

3- اقتناص مقعدين أو أكثر باختراق كتلة غانتس أو كتلة تحالف اليسار .

يقول أحد المستشارين الاستراتيجيين السابقين في حملة غانتس: "نتنياهو ومستشاروه وضعوا خطة ما كانوا هم أنفسهم يحلمون بأنها ستنجح، ولكن نجاحها كان خارقا. ومع أن نتنياهو اعتمد فيها الكذب وقلب الحقائق، كان غانتس يرد بالدفاع من خلال لهجة متردّدة يبدو فيها أنه فوجئ كل مرة من جديد. فهو جنرال معتاد على القتال وسماع النقد أو الإطراء، ولا يوجد عنده حلول وسط. لكنه يخرج من هذه المعركة السياسية بثياب ممزقة وبخسائر مرهقة ولا يحسن إحداث الانقلاب".

فالرجل، ومعه ثلاثة رؤساء أركان سابقون للجيش وتسعة جنرالات سابقون آخرون من خريجي الجيش والمخابرات والشرطة، ومجموعة كبيرة من السياسيين وكبار المسؤولين السابقين والصحافيين والشباب، لم ينجحوا في لجم نتنياهو. بل خلال الأسابيع الأخيرة يتجاوزهم نتنياهو ويقترب من حسم المعركة لصالحه. في السياسة يقولون إن أسلوب غانتس هو عكس الطبيعة، وإن نتنياهو هو الذي يدير معركته بالشكل المهني. صحيح أن أسلوب نتنياهو شرس وفظ وجارح ومهين، إلا أنه جلب الأصوات.

باختصار، هذه انتخابات عامة تعاد للمرة الثالثة خلال عام واحد، في ما يشبه الدوران في حلقة مفرغة. يتصارع اليمين والأحزاب الدينية مع أحزاب الوسط اليسار من جهة، وتتنازع مكوّنات كل معسكر الشريحة الناخبة نفسها من جهة ثانية، ويخوض المتدينون والعلمانيون صراعا على حد السيف من جهة ثالثة، فيما تسعى أحزاب فلسطينيي عام 48 إلى حيازة مكانة مرفوضة ضمن اللعبة السياسية الإسرائيلية. وإذا كان نتنياهو دفع باتجاه إما أن يكسب الانتخابات وإما أن تجري انتخابات رابعة، فإن هذه الانتخابات المتكررة تدل ليس فقط الى ميزان قوى سياسي دقيق، وإنما أيضا الى أزمة سياسية عميقة تصيب النظام في كيان العدو الذي قاتل نفسه منذ أكثر من عام بلا حسم.