kayhan.ir

رمز الخبر: 107547
تأريخ النشر : 2020January13 - 20:57

السياق الإسرائيلي لاغتيال سليماني والمهندس: رهانات فاشلة... ونتائج صادمة


جهاد حيدر

لا يعني الحديث عن السياق الإسرائيلي لأي حدث تبادر اليه الولايات المتحدة الأميركية كما لو أنها تقوم بذلك بمعزل عن مصالحها واطماعها في المنطقة. ولا يعني الحديث عن المصالح الأميركية في منطقة غرب آسيا أن مصالح كيان العدو تأتي في مرتبة تالية. بل إن مصالح "إسرائيل" هي في رأس اولويات المصالح الأميركية. أضف إلى أن السياسة الأميركية في هذه المنطقة، تتحرك فيما يسمى البيئة الإقليمية لكيان العدو وبالتالي فإن أولوياتها في هذه المنطقة متماهية مع مصالح "إسرائيل". ولا يتعارض هذا التوصيف مع وجود تباينات بينهما في محطات، لها سياقها وتفسيرها، ترى فيها الولايات المتحدة مصالحها، وفي نفس السياق مصالح "إسرائيل"، وفق منظور مختلف عن الرؤية التي يرونها في تل أبيب.

انطلاقا من هذه الحقيقة يمكن أيضاً، مقاربة حدث الاغتيال وتوقيته وأسلوبه وما أعقبه من تهديدات، من زاوية السياق الإقليمي المتصل بكيان العدو بشكل مباشر. فضلا عن كونه جزء مباشر من المعطيات التي حضرت في خلفية القرار الأميركي.

ينبغي التمييز بداية بين مستويين من التحليل، الاول، أصل قرار التصعيد العسكري المباشر ضد إيران ومحور المقاومة، والثاني قرار استهداف الفريق الحج قاسم سليماني تحديداً. وفي كلا المستويين يحضر البعد الإسرائيلي في أعلى درجاته أيضاً.

على المستوى الاول، أتى التصعيد الأميركي المباشر ضد الجمهورية الاسلامية في الساحة العراقية، بعد سلسلة رهانات وخيارات فاشلة في مواجهة إيران ومحور المقاومة. نقطة الانطلاق في هذا المسار الذي حقق فيه محور المقاومة المزيد من الصمود والانتصارات، تمثلت في الفترة الاخيرة، بفشل خيار "الضغوط القصوى" في اسقاط النظام الاسلامي واخضاعها عبر جرّها إلى المفاوضات من موقع ضعيف لاملاء الشروط الأميركية عليها.

بعد ذلك، انتقلت إيران إلى مرحلة الرد المتدرج عبر إعادة تفعيل برنامجها النووي ودفعه إلى الامام، وصولا إلى ما شهدته المنطقة من تطورات أمنية وسياسية رأت فيها تل أبيب مؤشراً قوياً على ارتفاع منسوب الحافزية والاندفاع لدى الجمهورية الاسلامية.

لم يعد هذا المفهوم مجرد تقدير مطابق للواقع بل عبر عنه ايضا، رئيس أركان جيش العدو "أيف كوخافي"، بالقول "طالما لا يوجد رد على توسع البرنامج النووي الإيراني، وطالما أن العلماء يعملون حالياً على الرؤوس الحربية... دون رد عليهم، ففي وقت ما قد يخرج هذا عن مجال الحوار الاستراتيجي (مع اوروبا) وينتقل إلى قدرة فعلية خلال عدة اشهر". ومن الواضح أن تل أبيب ترى في ذلك خطا أحمر ينبغي التحرك والمبادرة لمواجهته قبل تبلوره على أرض الواقع.

تزامن ذلك، مع تصاعد في قدرات وترابط محور المقاومة في العراق وسوريا ولبنان، وأبلغ من عبرَّ عن حضور هذا المعطى لدى المؤسسة الامنية في كيان العدو، كان كوخافي ايضا الذي رأى في تطورات البيئة الإقليمية تفاقما للتهديدات وتغييرا في المشهد الإقليمي لإسرائيل، مضيفاً أن الجبهات كلها نشطة ضد "إسرائيل". ومحذرا من أنها ستبادر إلى خطوات عملانية مضادة، حتى مع علمها بأن ذلك ينطوي على مخاطر مرتفعة بنشوب مواجهة مباشرة.

في نفس السياق أتى اقرار كوخافي بمواصلة إيران تطوير قدراته النوعية والكمية التي تشكل تهديداً جدياً على "إسرائيل"، بالرغم من قساوة العقوبات الاقتصادية والضغوط التي تمارس بحقها، وهو ما حضر أيضاً على لسان كوخافي، عندما اعتبر أن "إيران تواصل تصنيع صواريخ تصل إلى الاراضي الإسرائيلية... هذا التهديد موجود ويتطور، والصناعة العسكرية الإيرانية أكبر من كل الصناعات العسكرية لدولة إسرائيل".

في مواجهة هذا المسار الإقليمي، كان على الولايات المتحدة و"إسرائيل" أن تبادرا إلى خيارات مضادة تهدف إلى محاولة ايجاد قدر من التوازن وتحد من استمرار تقدم محور المقاومة، وصولا إلى اعادة انتاج بيئة إقليمية مغايرة تكرس الهيمنة الأميركية وتوفر الامن لمستقبل "إسرائيل".

لكن هذا التحدي ينطوي على مخاطر مرتفعة بحصول تصعيد نتيجة الرد المضاد. من هنا كان لا بد أن تكون المبادرة العملانية رادعة ايضا، تجنبا لرد قد لا تتحمل "إسرائيل" تداعياته. وبما أن "إسرائيل" ليست قادرة لوحدها على تحمل مسؤولية مبادرة بهذا الحجم على المستوى الإقليمي في مواجهة محور المقاومة، انبرت لهذا التحدي الولايات المتحدة بنفسها.

أما عن قرار استهداف الحج قاسم، ومعه ابو مهدي المهندس واخوتهم، فهو يعود إلى الدور الذي لعبه على مستوى المنطقة في مواجهة الهيمنة الأميركية وفي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وبعدما أدرك الطرفين حقيقة أن شخصه يمثل أحد أهم عناصر القوة لمحور المقاومة... وبات يمثل مصدر تهديد مباشر للهيمنة الأميركية وعلى الأمن القومي الإسرائيلي.

إلى ذلك، ينطوي استهدافه بشكل مباشر على الرسالة المطلوبة المدوية في هذه المرحلة، والتي حاولت من خلالها الولايات المتحدة الاثبات بالنسبة لصانع القرار في طهران، أنها عازمة على الذهاب بعيدا في خيارها بهدف اعادة انتاج معادلة وبيئة جديدة حتى لو كلف هذا الخيار الصدام العسكري المباشر مع إيران. واستندت في ذلك ايضا إلى الرهان على مفاعيل الازمة الاقتصادية القاسية التي تعاني منها والتي كان يفترض بحسب رهاناتهم وتقديراتهم، أن تجعل مؤسسة القرار في طهران أكثر حذراً وارباكاً وتردداً في اتخاذ أي قرار بالرد يؤدي إلى رد مضاد وبالتالي إلى مواجهة سوف تؤدي إلى مزيد من الاستنزاف الاقتصادي على الاقل.

في المقابل، أتى الرد الصاروخي المباشر انطلاقا من الأراضي الإيرانية وباعلان مسؤولية رسمية بدّدت الكثير من الرهانات التي استندت اليها الولايات المتحدة، وتحديدا ما يتعلق منها بفرضية أن القيادة في إيران ستمتنع عن الرد بهدف تجنب التدحرج نحو ردود متبادلة تضعف النظام الذي هو أولى من أي عنوان آخر. ثأر مشروع... أو رسائل ردعية.. أو غير ذلك من العناوين.

لكن الرد الصاروخي كشف عن أن الرؤية التي سادت في مؤسسة القرار الإيراني، انطلقت من أن مفاعيل وخطورة عدم الرد أخطر من أي رد أميركي مضاد على الرد الإيراني. وأظهرت بذلك استعدادها، وبشكل عملي، للذهاب بعيدا في عمليات الرد والرد المضاد.

من الواضح أن هذا المفهوم حضر بقوة لدى مؤسسة القرار الأميركي. وادركت معها أن أي محاولة رد مضاد ستؤدي إلى ردود متدحرجة نحو مواجهة عسكرية. وهو ما دفعها بالدرجة الاولى للارتداع عن هذا الرد الذي كان واجباً بهدف التأسيس للمعادلة التي سعت وتسعى اليها الولايات المتحدة في العراق والمنطقة.

في ضوء هذه النتائج السياسية والردعية، يمكن القول أن إيران استطاعت أن تبدد رهانات وتقديرات ومساعي الولايات المتحدة في فرض معادلة جديدة تقيد محور المقاومة، ونجحت ايضا في احباط محاولة التأسيس لمسار جديد على مستوى المنطقة. وكشفت المواقف التي أطلقها قائد الثورة الاسلامية الإمام الخامنئي حول أن ما جرى هو مجرد صفعة، وأن الرد يكمن في اخراج الولايات المتحدة من المنطقة، كشفت عن أن المنطقة دخلت جديدة من الصراع، مع اغتيال الحاج قاسم. لكن هذه المرة مباشرة في مواجهة امبراطورية الشر العالمي، الولايات المتحدة الأميركية، وبهدف تحرير المنطقة من نفوذها.

المشكلة بالنسبة لتل أبيب أن محاولة التأسيس لانتاج بيئة إقليمية خالية من التهديد على واقع ومستقبل "إسرائيل" فشلت حتى الان. وأن الرهان على ارتداع إيران تبدد. وبدلا من ذلك انطلق مسار جديد في المنطقة يهدد الوجود الأميركي ويؤسس لمسار إقليمي سيصب في نهاية المطاف في فلسطين.