kayhan.ir

رمز الخبر: 105309
تأريخ النشر : 2019December04 - 20:59

فرضية الحرب في ضوء اتهام نتنياهو


جهاد حيدر

منذ اتهام رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو رسميًا بالرشوى وخيانة الأمانة، بدأ التداول، في داخل كيان العدو وخارجه، بفرضية أن يبادر نتنياهو الى عمل عسكري يؤدي الى مواجهة واسعة، بهدف ارباك مسار اقالته من منصبه أو محاكمته، عبر محاولة تقديم نفسه كقائد يدافع عن أمن "اسرائيل" في مواجهة التهديدات فيما الآخرون مشغولون باقالته ومحاكمته.

قبل مناقشة هذه الفرضية، تجدر الاشارة الى أنها تكشف، مع ما سبقها من محطات داخلية اسرائيلية، حجم التداخل بين الوضعين الداخلي والاقليميل كيان العدو ، بحيث يتحول مستجد داخلي - من ضمن مجموعة عوامل أخرى - الى دافع للتساؤل عن مدى انعكاسه على الوضع الامني الاقليمي. كما قد يؤثر مستجد اقليمي على الوضع الداخلي الاسرائيلي بشكل أو بآخر. واذا كان هذا الأمر ينطبق على كيان العدو بكل ما يتمتع به من عناصر قوة ذاتية ودعم دولي، فكيف عندما يتعلق الأمر الوضع اللبناني؟

ينبغي التمييز بين سؤالين: الأول، امكانية أن يشكل الاتهام الرسمي لرئيس وزراء العدو سببًا كافيًا للدفع نحو مواجهة عسكرية، والثاني ما إذا كانت دينامية التطورات قد تدفع نحو مواجهة عسكرية، بالتزامن مع الوضع الداخلي في كيان العدو. ما يهمنا في هذا المقام الاجابة على السؤال الأول دون الثاني.

عملية صناعة قرار عدواني في كيان العدو، ليست مهمة يقوم بها رئيس الحكومة وحده

لا بد في هذا الإطار من التذكير بحقيقة أن عملية صناعة قرار عدواني في كيان العدو، ليست مهمة يقوم بها رئيس الحكومة وحده، رغم ما يتمتع به من مكانة هامة في منظومة اتخاذ القرار السياسي - الأمني. على المستوى القانوني من يملك صلاحية اتخاذ قرار الحرب أو المواجهة العسكرية هو المجلس الوزاري المصغر بالتشاور مع المؤسسة العسكرية. وفي محطات محددة قد تكون الكلمة الفصل لها - من ناحية عملية - من خلال ما تقدمه من تقديرات أمام المستوى السياسي. ويمكن للمؤسسة العسكرية، أيضًا، أن تمارس ضغوطها على القيادة السياسية، بهذا الاتجاه أو ذاك، من خلال مضمون التقديرات التي تقدمها، وبالتالي تستطيع أن تهول على المستوى السياسي، أو العكس. وهي بذلك تساهم بقوة في كبح أو الدفع نحو خيارات عملانية عسكرية. هذا مع التأكيد أن الكلمة النهائية تبقى للمستوى السياسي من خلال المجلس الوزاري المصغر.

منذ ما بعد توجيه لوائح الاتهام بحق نتنياهو يمكن التقدير أنه بات تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى وهو ما سيجعله متهمًا في دوافعه أيًا كانت الخيارات والمبررات التي دفعته الى اتخاذ قرار عدواني مكلف لكيان العدو. وهو لأسباب عديدة لا يستطيع أن يدفع نحو المواجهة العسكرية بشكل صريح وبدون قدر من المبررات والدوافع الموضوعية، خاصة وأن موقف المؤسسة العسكرية سيحضر في هذه المحطة وسيكون معروفاً على المستوى العام.

هذا المقدار من القيود والضوابط، يعني أن نتنياهو لا يستطيع المبادرة الى خيار عملاني بهذا الحجم من موقع ابتدائي ومن دون دوافع مهنية مبررة.

من جهة أخرى، تنطوي هذه الفرضية على تصور خاطئ، وهو أن الساحة الاقليمية بما فيها اللبنانية كما لو أنها مستباحة أمام العدو ومتى ما رأى مصلحة له بذلك، أو لزعيمه، فهو يشن حرباً أو عملية عسكرية، فيما التجارب والمعادلات تؤكد عكس ذلك. وتؤكد المعادلات التي استطاع حزب الله أن يفرضها على كيان العدو أنه في الكثير من الاحيان هناك مصالح للعدو للقيام بضربات عسكرية ابتدائية أو من موقع الرد، كان يمتنع عنها بفعل حسابات الكلفة والجدوى. نعم، لو أن العدو يرجح عدم دفع أثمان مؤلمة نتيجة هذه الخيارات، فكان يمكن لنا حينها توقع وافتراض أن يحاول قادة العدو أن يحرفوا أنظار الرأي العام، ويسجلوا انجازات ما في سجلهم، من خلال اتخاذ قرارات عدوانية.. لكن المعادلات تغيرت ولم يعد هذا الأمر متاحًا.

ماذا لو كانت هناك تطورات اقليمية تفرض على "اسرائيل" دراسة خياراتها العملانية؟

مع ذلك، ماذا لو كانت هناك تطورات اقليمية تفرض على "اسرائيل" دراسة خياراتها العملانية، ومن ضمن هذه الخيارات المبادرة الى خيار عسكري ابتدائي، أو في حال تعرضت "اسرائيل" لردود على اعتداءاتها التي تنفذها تحت عنوان المعركة بين الحروب؟ عندها سيتسع هامش نتنياهو للدفع باتجاه عدواني مدعوما بمبررات تعتبر "موضوعية ومهنية" داخل الكيان. وبالطبع سيكون الأمر محسومًا عندما سيكون الجيش هو المبادر الى اقتراح خيارات من هذا النوع، أو على الأقل داعماً لها. في مثل هذه الحالة يصبح نتنياهو قادراً على التوظيف السياسي لهذا الخيار العملاني في الساحة الداخلية، وهو أمر مشروع في الساحة الاسرائيلية وله سوابق عديدة.

يبقى سؤال محوري، الى أي مدى يمكن لهذا السيناريو أن يُفيد نتنياهو على المستوى القضائي، خاصة وأن محاكمته ما زال أمامها مسار طويل من أجل البدء بها؟ نعم يمكن لنتنياهو المناورة من خلال الخيارات العدوانية بهدف المحافظة على موقعه في رئاسة الحكومة أو على الأقل لضمان حصانة ما يتم منحه اياها مقابل الدور الذي قام ويقوم به. ولكن تبقى القضية مشروطة بعناصر عديدة، وليس أمراً تلقائياً. وفي النهاية لا توجد نتائج مضمونة لأي مسار يسلكه نتنياهو.

تبقى حقيقة ينبغي التذكير بها وهي أن نتنياهو لم يلجأ الى هذا الخيار قبل صدور لوائح الاتهام بحقه. وهو ما كان يفترض أن يفيده أكثر. تبقى مسألة أخرى، لها مقامها ومناسبتها الاخرى، هل أن الظروف الاقليمية الحالية قد تدفع العدو للمغامرة العسكرية، مع علمه بوجود أثمان سيدفعها؟ فهذا له بحثه في محله.